المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المُتقلِبون بين التيارات



المراسل الإخباري
09-01-2021, 12:05
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
إن من أشد المسائل خطورة التي يمثلها هؤلاء «المُتقلِبون بين التيارات» -أصحاب التبعية العمياء للخارج- أنهم يمارسون دور المُقيمين الحياديين لأبناء المجتمع مما يؤدي لتشويه صورة من لا يتفق مع طروحاتهم وأفكارهم وتوجهاتهم..
عندما يتحول الموقف الفكري لأي شخصية من توجه فكري إلى توجه فكري آخر بناء على قراءات عميقة، ونقاشات علمية رصينة، ومطارحات فكرية متخصصة، ومناظرات فكرية قائمة على أسس علمية سليمة، فهُنا يمكن قبول فكرة التحول في الموقف الفكري لهذه الشخصية، ويمكن تبرير فكرة تحوله من توجه فكري إلى توجه فكري آخر، ويصبح من الواجب على المجتمع أن يحترم هذه الشخصية لأن تحولها من موقف فكري إلى موقف فكري آخر إنما جاء بناءً عن اقتناع حقيقي بهذا التحول، وهذا النوع من التحولات الفكرية -أو التقلبات في المواقف الفكرية- التي تحظى بالاحترام والتقدير أياً كانت مواقفها الفكرية البناءة يعتبر قليلا جداً في عدد شخصياته لأن متطلباته صعبة التحقق والإثبات، وقناعة أفراد المجتمع بهذا التحول تحتاج إلى جهد نظراً لارتفاع المستوى الفكري والثقافي فيه، أما عندما يتحول الموقف الفكري لأي شخصية من توجه فكري إلى توجه فكري آخر بناءً على التبعية الفكرية والحزبية، والأهواء والرغبات الشخصية، والأحاديث العامة، والحوارات السطحية، والشعارات العاطفية؛ فهنا لا يمكن بأي حال من الأحوال قبول فكرة التحول في الموقف الفكري لهذه الشخصية، ولا يمكن تبرير فكرة تحوله من توجه أو تيار إلى توجه أو تيار آخر، ويفرض على الواعين من أبناء المجتمع عدم تقدير هذه الشخصية لأن تحولها من موقف فكري إلى موقف فكري آخر إنما جاء نتيجة لاعتبارات شخصية وحوارات سطحية وأهواء خاصة، وهذا النوع من التحولات الفكرية -أو التقلبات في المواقف الفكرية- يعتبر كثيرا في عدد شخصياته خاصة في المجتمعات البسيطة والمتواضعة في مستوى أفرادها فكرياً وثقافياً، إذا نحن أمام نوعين من أنواع التحولات الفكرية غير المتوازنة والتي يجب أن يتم التفريق بينهما حرصاً على إعطاء كل شخصية حقها، ووضع كل شخصية في مكانها الطبيعي.
وبما أن النوع الأول من أصحاب التحولات الفكرية يقل أو يندر وجوده في المجتمعات، وخاصة العربية؛ فإن النوع الثاني من أصحاب التحولات الفكرية يكثُر أو يزداد عدد شخصياته بشكل مستمر في المجتمعات، وخاصة العربية، وهؤلاء هم الذين نُطلق عليهم "المتقلبون بين التيارات". فكيف نشأت ظاهرة "المتقلبون بين التيارات"؟ ولماذا يتزايد عدد أفرادها وشخصياتها؟ وما خطورة وجودها وتزايد عدد أفرادها على المجتمعات العربية؟
لقد نشأت ظاهرة "المتقلبون بين التيارات" في المجتمعات العربية في النصف الأول من القرن العشرين مُتأثرة بعاملين أحدهما رئيس، والآخر فرعي، فأما العامل الرئيس فهو الانتشار العالمي للأيديولوجيتين الشيوعية والاشتراكية من جهة، والرأسمالية بقيمها الغربية من جهة أخرى، وأما العامل الفرعي فتمثل بحركة التحرر العالمية من هيمنة الاستعمار والتي طالت المجتمعات العربية التي كان بعض منها واقعا تحت الاستعمار، نعم، لقد شكلت تلك الحقبة الزمنية الانطلاقة الحقيقية لظاهرة "المُتقلِبون بين التيارات" عندما رفعت الشيوعية شعاراتها العاطفية لتجذب الرأي العام العالمي تجاه أفكارها التي تحارب بها الرأسمالية بقيمها الغربية؛ وكذلك عندما رفعت الرأسمالية شعاراتها العاطفية لتجذب الرأي العام العالمي تجاه أفكارها التي تحارب بها الشيوعية والاشتراكية بطروحاتها وأفكارها، نعم، لقد مثلت تلك الحقبة المليئة بالطروحات الفكرية والشعارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصادرة عن الشيوعية والرأسمالية مخزوناً فكرياً ولغوياً تم توظيفه توظيفاً سلبياً في بعض المجتمعات، ومنها العربية، لخدمة التوجهات الشخصية والأهواء الخاصة والاستيلاء على السلطة بحجج وشعارات واهية، نعم، لقد استغل الجُهال وأصحاب الأهواء تلك الشعارات الأيديولوجية معبرين عن انتماءاتهم لها لتحقيق تطلعاتهم وأهدافهم الخاصة، وذاك الذي حدث فعلاً لتصعد للعلن أسماء وشخصيات خاوية الفكر، ولتُبرر لها شخصيات أخرى أكثر جهلاً هدفها فقط تحقيق رغباتها الشخصية ومطامعها الخاصة.
وعندما انهزمت الشيوعية وثبت فشل أفكارها وطروحاتها، وعندما رفضت المجتمعات، وخاصة العربية، معظم الأفكار الرأسمالية بقيمها الغربية، تحولت شخصيات وأسماء كثيرة من أتباع الشيوعية والاشتراكية والرأسمالية بقيمها الغربية لتتبنى توجهات أخرى متعددة تتنوع بين الإسلامية والقومية والمذهبية والعرقية والوطنية وغيرها من توجهات فكرية يمكن توظيفها للاستمرار في مواقع نفوذها لضمان ممارسة السلطة أو الانتفاع من خدمة أصحاب النفوذ والسلطة، ولم تتوقف تحولات "المتقلبون بين التيارات" عند تلك المراحل التاريخية البعيدة والقريبة، وإنما تواصلت واستمرت وتصاعدت تصاعداً فاحشاً خلال العقدين الماضيين مُستغلة الأوضاع السياسية المعادية لأوطانهم، وموظفة حالة عدم الاستقرار التي سادت بعض المجتمعات العربية، طامعةً في مواصلة ممارسة نفوذها وأدوارها على جميع المستويات.
وفي نظرة سريعة على واقع الوطن العربي، نجد أن ظاهرة "المُتقلِبون بين التيارات" تتصاعد تصاعداً مخيفاً مستغلةً ثورة الاتصالات استطاع أصحابها وشخصياتها تحقيق انتشار إعلامي كبير، وشهرة اجتماعية واسعة، بالرغم من ضحالة فكرهم، وسطحية أطروحاتهم، وضعف لغتهم، وتدني مستواهم المعرفي والأخلاقي، وتبعيتهم العمياء للأفكار والطروحات المتطرفة والمعادية لأوطانهم التي تُثبت ضُعف ولائهم وإخلاصهم لأوطانهم الأصيلة التي أكرمتهم وأعلت من شأنهم. نعم، إن المجتمعات العربية اُبتليت ابتلاء عظيماً بعدد من أبنائها ممن يُطلق عليهم "المُتقلِبون بين التيارات والتوجهات" ممن يفضلون التبعية لكل فكر يتعارض مع ثقافتهم وحضارتهم، ويسعون لخدمة أجندة وأهداف ومصالح أعداء وطنهم، ويعملون على تمجيد عادات وتقاليد وثقافة وحضارة ولغات أشد أعداء عاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم وحضارتهم ولغتهم الأصيلة.
وفي الختام من الأهمية القول إن من أشد المسائل خطورة التي يمثلها هؤلاء "المُتقلِبون بين التيارات" -أصحاب التبعية العمياء للخارج- أنهم يمارسون دور المُقيمين الحياديين لأبناء المجتمع مما يؤدي لتشويه صورة من لا يتفق مع طروحاتهم وأفكارهم وتوجهاتهم، وبالتالي يجعل الساحة متاحة لهم ولأفكارهم وأطروحاتهم التي تشكل في غايتها خطراً عظيماً على المجتمع واستقراره. نعم، إن هؤلاء "المُتقلِبون بين التيارات" يُمثلون خطراً عظيماً على المجتمع؛ لأنهم يقفزون بين التيارات لتحقيق أهدافهم الشخصية على حساب المصلحة العليا للوطن الذي لا يعنيهم أمنه ورفاهيته وسلمه واستقراره؛ لأنهم سيغادرونه حال اهتزت أركانه، والتاريخ خير شاهد.




http://www.alriyadh.com/1904741]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]