المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التطفيف مع الاستيفاء



المراسل الإخباري
09-02-2021, 03:42
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
أخطر أنواع التطفيف المصاحبِ لحب الاستيفاء ما يصدر من العبد في حق ربه، بحيث يكون مفرِّطاً في أداء ما أوجب الله عليه من الحقوق من عبادته وأداء حقوق عباده، جسوراً على اقتحام ما نهى الله عنه..
يتشاحُّ الناس بصورةٍ جليَّةٍ إذا تكايلوا أو توازنوا المبيع، ولو أظهر البائع التطفيف لكان المشتري له بالمرصاد، ولا يتركه يتمادى في بخس حق غيره مع استيفاء حقه، والتطفيف في المعايير المحسوسة مذموم خصوصاً إن اجتمع مع استقصاء المطفف مستحقاته، بل متوعد عليه بقوله تعالى: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ)، وما كان كذلك مما تتعلق به المنافع الحيوية لا تخفى على الناس خطورته، لكن الذي يخفى على الناس أن التطفيف مع محاولة الاستيفاء شائع جدّاً في المعايير المعنوية غير المحسوسة التي تحكم علاقات الإنسان بغيره، وخطورته فيها عالية؛ لتعلقه بحقوق جمةٍ في كمّها وكيفها؛ ولأن الانتصاف عند وقوع الخلل في المعايير المعنوية أصعب من استعادة الحق بواسطة المعايير المحسوسة، ولي مع التطفيف مع الاستيفاء وقفات:
أولاً: أخطر أنواع التطفيف المصاحبِ لحب الاستيفاء ما يصدر من العبد في حق ربه، بحيث يكون مفرِّطاً في أداء ما أوجب الله عليه من الحقوق من عبادته وأداء حقوق عباده، جسوراً على اقتحام ما نهى الله عنه، ثم لا يكتفي بهذا التطفيف الشنيع، بل يجمع معه توسيع الأماني الذي لا يحمله عليه إلا الغرور، فيتصور لنفسه من الفوز بالثواب والنجاة من العقاب ما لا يناله إلا القائمون بحق الله تعالى، ولا يتوجس خيفة من ذنوبه بل يظن أنه في مأمن، وما درى أن سلعة الله غالية، وأن الذي يُقدم عليه عجز ينافي الكياسة المطلوبة، فعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليه وسَلم، قَالَ: (الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ، وَالعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ) أخرجه الترمذي وغيره، فهذا العاجز فاته أن يلتجئ إلى معقل مهم من معاقل النجاة ألا وهو الخشية من العقوبة، والوجل من مغبَّة الذنوب، وما فوَّته عليه إلا طمعه في نيل أجر لم يتكبد العناءَ لتحصيله، بل طفَّف، وأطلق العنان لخياله في ميدان التمنِّي، ولم يع الفرق بين الكسول المتمني والعامل الراجي، ولم يدر أنه لا يسوغ التخلي عن الرهبة ولو للعامل الراجي، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)، وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا سألت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقالت: (يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ الَّذِي يَسْرِقُ وَيَزْنِي وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَهُوَ يَخَافُ اللَّهَ؟ قَالَ: لاَ يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يُصَلِّي وَيَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ وَهُوَ يُخَافُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ)، أخرجه الإمام أحمد.
ثانياً: التفريط في مراعاة قواعد العلاقات مع الناس مع محاولة استيفاء ما يراه حقّاً له، سواء كانَ المطلوبُ استيفاؤه حقّا ثابتا له شرعا أو عرفا أو نظاما، أو كان شيئا تشهَّاه وادعاه، وهذا خلاف ما هو الصواب، فالعاقل من يعرف أن عليه حقوقاً كما أن له حقوقاً، ويحرص على توفية الناس ما عليه، ولا يعني ذلك التفريط في حقه، فله أن ينشده بالتي هي أحسن وبما يقرره الشرع والنظام والعرف، وحتى لو كان حقه هو الأكبر فليس له أن يتخيلَ سقوط حق الطرف الآخر وكونَه في حلٍّ من حقه، وأظهر مثال لذلك أن حق الوالدين على الولد كما هو معلوم من العظمة، لكن لا يعني ذلك أنه يجوز لأحد الوالدين أن يتهاون بحق ولده عليه، بل عليه أن يوفيه حقوقه من الرعاية والصيانة والنفقة وغيرها، ولا شك أن من أكثر ما يعين الولد على البرِّ بوالديه مراعاتهما حقوقه، وقد نقل عن بعض السلف قوله: (برَّ وَلَدَكَ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يَبَرَّكَ، فَإِنَّهُ مَنْ سَاءَ عَقَّهُ وَلَدُهُ).
ثالثاً: أهم من ينبغي أن يبتعد عن هذه الظاهرة الزوجان؛ لأهمية علاقتهما والأثر السلبي المترتب على انبنائها على قاعدة مهترئة كهذه، ولا شك أن المعنيين بالنظر في الخلافات الأسرية والذين يهتمون بترميم ما تصدع من العلاقات يلحظون أن من أسباب وقوع الخلاف بين الزوجين أن يطفف مطفف في معيار تعامله مع الآخر حتى يصل أحيانا إلى القصور عن الواجب، ثم لا يكتفي بهذا القدر المجحف، بل يكثِّف الإشكال ويوسِّع الخرق فيتنطع في استيفاء ما له، وربما طمح به نظره إلى استيفاء ما هو من قبيل المستحسن الذي يتبرع به الناس على سبيل المكارمة وتحري الفضل، ولو ترفَّع المتخالفانِ عن ارتكاب هذا التشنج لتضاءلت الخلافات كثيراً.




http://www.alriyadh.com/1905021]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]