المراسل الإخباري
09-30-2021, 07:05
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
للنفس الأمارة بالسوء دسائس كثيرة تُشوِّشُ بها على من يُعالجها، ويحاول إصلاحها، وهذه الدسائس ابتلاءات يُختبر بها الإنسان، وعليه أن ينتبه لها ويتجنبها ماضياً في سبيله إلى أن يلقى ربه..
لو ترك الإنسان نفسه على سجيتها لِتألَفَ ما أحبّتْ، وتركن إلى ما استسهلت لاختارت الملاذَّ بأنواعها، واستثقلت معالي الأمور التي لا تحصل إلا بالكدِّ والصبر وتحمُّل المشاقِّ، ولو تمالأ الناس كلهم على الإخلاد إلى ما ترتاح له نفوسهم منقادين لدسائسها مشفقين من مخالفة هواها لخرِبَ نظام العيش، وتعطلت مصالح الدنيا، فهل تُحمى البلاد إلا بجهود رجالٍ تكبّدوا المتاعب مراغمين حظوظ النفس حتى تأهلوا لأن تُناط بهم أهم المهامِّ، وهل تُدرَّس العلوم وتُصنّف وتُحرّر إلا على أيدي من هجروا الراحة واستسهلوا الصعوبات وصبروا أنفسهم على السهر في مراحل التعلم وفي مراحل التصنيف والبحث، وقل مثل ذلك في جميع مفاصل الحياة، فلا تحصل مصالحها إلا على أيدي أناسٍ لم يستسلموا لدسائس نفوسهم، بل قهروها وتحمّلوا النصَب في سبيل أعمالهم، فالكيّس من لم يركنْ إلى ما تُوسوس له نفسه من دسائس التثبيط، بل كان هو المتسلط على النفس بالتهذيب والتزكية والتنقية من الرعونات حتى تطمئن إلى الخير وتألفه، ولي مع دسائس النفوس وقفات:
أولاً: نفس الإنسان من الغلاء عنده بالمكانة الغنية عن الوصف، وحبُّهُ لها لا يُوصف، ولا يعني ذلك بالضرورة أنها تُخلص له النصح أو تسعى لفكاكه من الدواهي، بل الأصل أنها ميالةٌ إلى مرغوباتٍ مآلُها الحسرة والندامة، ونافرةٌ عن التكاليف والمشقات التي بها يُنالُ سناء الرتبة في الدارين، فالنفس إذا لم تروَّض حتى تطمئن فإنها ألدُّ الأعداء وأصعبهم مراساً وأنكاهم فتكاً، وما من عدوٍّ إلا والاحتراس منه أسهل من الاحتراس من النفس الأمارة بالسوء كما قال القائل: كيفَ احْتراسِي من عدوِّي إذا ... كانَ عدوِّي بينَ أضلاعِي
نعم إنها العدو علَّم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أن يستعيذ منه إذا أصبح وإذا أمسى، فقد قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي ِكَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ إِذَا أَصْبَحْتُ، وَإِذَا أَمْسَيْتُ، فعلمه الدعاء المشهور، وفيه: (أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ)، ومن الغفلة بمكانٍ أن يقتنع الإنسان بأن في الشيء المعين منفعة لمجرد أن نفسه تميل إليه مُتجاهلاً أن ضوابط المنفعة والمفسدة ليس منها الميول الشخصي الذي يحسُّ به الإنسان في وجدانه.
ثانياً: إذا ثبتت عداوة النفس لصاحبها إن لم تُزَكَّ وتُصَفَّ فالنفس الأمارة بالسوء هي العدو الذي لا يسوغ أن توضع العصا عن العاتق في سبيل مواجهته، فما من عدوٍّ إلا ويُمكن أن ينشغل أو يُهادن أو يُصالح، أما هي فلا تُهادَنُ، ويواجهها من وُفِّق، ويستسلم لها من لم يُوفَّق؛ ولهذا جُعِلَ جهاد النفس من أهم أنواع الجهاد، فعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المجاهد من جاهد نفسه في سبيل الله» أخرجه أحمد والترمذي، وقال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما لمن سأله عن الجهاد: "ابدأ بنفسك، فجاهدها، وابدأ بنفسك، فاغزها"، ما أجمل هذه الكلمة! فما ذا عسى أن ينفعه جهاد من لم يجاهد نفسه أولاً؟ فبمجرد أن يهمل الإنسان جهادَ نفسه ويترك صبرها على الطاعة، وترويضها على مكارم الأخلاق والمروءة يكون غير مؤهَّلٍ لأن يوجِّه غيره أو يرشِدَه، فلا أمل في أن يكون له من الأثر الحسن ما يستفيد منه غيره، ومن هذا حاله ينبغي أن يكفَّ عن عَرْضِ بضاعة أفكاره على الناسِ.
ثالثاً: للنفس الأمارة بالسوء دسائس كثيرة تُشوِّشُ بها على من يُعالجها، ويحاول إصلاحها، وهذه الدسائس ابتلاءات يُختبر بها الإنسان، وعليه أن ينتبه لها ويتجنبها ماضياً في سبيله إلى أن يلقى ربه، ومن هذه الدسائس تصويرها الأمور على غير ما هي عليه، فتُصوِّر له المعصية طاعة، وبعض أنواع التكبر صيانةً، وإيذاء الناس حسبةً، وقطيعة الرحم هجراً في الله، ومخالفة الجماعة وشقّ عصا الطاعة تصلباً في ديانة، وتُجسّدُ له لوازم حظوظ نفسه ونتائج منافساته على أنها حبٌّ في الله وبغضٌ فيه، وهكذا، وبالمقابل تُثبِّطُهُ عن الطاعات بتصويرها على أنها محذورات ومعاصٍ، فَتُريه الحِلم ضعفاً والصبر استكانةً، ومن تلك الدسائس ثنيُهُ عن الطاعة بحجة أنه قد يكون مرائياً للناس، فقد يَهُمُّ الإنسانُ بطاعةٍ فلا تجد النفس الأمارة بالسوء منفذاً لتزهيده فيه إلا أن تُخيِّل له أنه إن فعلها مدحه بها الناس وأثنوا عليه فهو إنما يفعلها لهذا، ومن وجد من نفسه هذا الهاجس فليبادر بالطاعة مخلصاً، وليُعرض عن هذا الهاجس فترك العمل خوفَ الرياء هو نفسه رياء، قال النووي رحمه الله:" من عزم على عبادةٍ وتركها مخافة أن يراها الناس، فهو مُراءٍ لأنه ترك العمل لأجل الناس".
http://www.alriyadh.com/1910191]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
للنفس الأمارة بالسوء دسائس كثيرة تُشوِّشُ بها على من يُعالجها، ويحاول إصلاحها، وهذه الدسائس ابتلاءات يُختبر بها الإنسان، وعليه أن ينتبه لها ويتجنبها ماضياً في سبيله إلى أن يلقى ربه..
لو ترك الإنسان نفسه على سجيتها لِتألَفَ ما أحبّتْ، وتركن إلى ما استسهلت لاختارت الملاذَّ بأنواعها، واستثقلت معالي الأمور التي لا تحصل إلا بالكدِّ والصبر وتحمُّل المشاقِّ، ولو تمالأ الناس كلهم على الإخلاد إلى ما ترتاح له نفوسهم منقادين لدسائسها مشفقين من مخالفة هواها لخرِبَ نظام العيش، وتعطلت مصالح الدنيا، فهل تُحمى البلاد إلا بجهود رجالٍ تكبّدوا المتاعب مراغمين حظوظ النفس حتى تأهلوا لأن تُناط بهم أهم المهامِّ، وهل تُدرَّس العلوم وتُصنّف وتُحرّر إلا على أيدي من هجروا الراحة واستسهلوا الصعوبات وصبروا أنفسهم على السهر في مراحل التعلم وفي مراحل التصنيف والبحث، وقل مثل ذلك في جميع مفاصل الحياة، فلا تحصل مصالحها إلا على أيدي أناسٍ لم يستسلموا لدسائس نفوسهم، بل قهروها وتحمّلوا النصَب في سبيل أعمالهم، فالكيّس من لم يركنْ إلى ما تُوسوس له نفسه من دسائس التثبيط، بل كان هو المتسلط على النفس بالتهذيب والتزكية والتنقية من الرعونات حتى تطمئن إلى الخير وتألفه، ولي مع دسائس النفوس وقفات:
أولاً: نفس الإنسان من الغلاء عنده بالمكانة الغنية عن الوصف، وحبُّهُ لها لا يُوصف، ولا يعني ذلك بالضرورة أنها تُخلص له النصح أو تسعى لفكاكه من الدواهي، بل الأصل أنها ميالةٌ إلى مرغوباتٍ مآلُها الحسرة والندامة، ونافرةٌ عن التكاليف والمشقات التي بها يُنالُ سناء الرتبة في الدارين، فالنفس إذا لم تروَّض حتى تطمئن فإنها ألدُّ الأعداء وأصعبهم مراساً وأنكاهم فتكاً، وما من عدوٍّ إلا والاحتراس منه أسهل من الاحتراس من النفس الأمارة بالسوء كما قال القائل: كيفَ احْتراسِي من عدوِّي إذا ... كانَ عدوِّي بينَ أضلاعِي
نعم إنها العدو علَّم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أن يستعيذ منه إذا أصبح وإذا أمسى، فقد قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي ِكَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ إِذَا أَصْبَحْتُ، وَإِذَا أَمْسَيْتُ، فعلمه الدعاء المشهور، وفيه: (أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ)، ومن الغفلة بمكانٍ أن يقتنع الإنسان بأن في الشيء المعين منفعة لمجرد أن نفسه تميل إليه مُتجاهلاً أن ضوابط المنفعة والمفسدة ليس منها الميول الشخصي الذي يحسُّ به الإنسان في وجدانه.
ثانياً: إذا ثبتت عداوة النفس لصاحبها إن لم تُزَكَّ وتُصَفَّ فالنفس الأمارة بالسوء هي العدو الذي لا يسوغ أن توضع العصا عن العاتق في سبيل مواجهته، فما من عدوٍّ إلا ويُمكن أن ينشغل أو يُهادن أو يُصالح، أما هي فلا تُهادَنُ، ويواجهها من وُفِّق، ويستسلم لها من لم يُوفَّق؛ ولهذا جُعِلَ جهاد النفس من أهم أنواع الجهاد، فعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المجاهد من جاهد نفسه في سبيل الله» أخرجه أحمد والترمذي، وقال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما لمن سأله عن الجهاد: "ابدأ بنفسك، فجاهدها، وابدأ بنفسك، فاغزها"، ما أجمل هذه الكلمة! فما ذا عسى أن ينفعه جهاد من لم يجاهد نفسه أولاً؟ فبمجرد أن يهمل الإنسان جهادَ نفسه ويترك صبرها على الطاعة، وترويضها على مكارم الأخلاق والمروءة يكون غير مؤهَّلٍ لأن يوجِّه غيره أو يرشِدَه، فلا أمل في أن يكون له من الأثر الحسن ما يستفيد منه غيره، ومن هذا حاله ينبغي أن يكفَّ عن عَرْضِ بضاعة أفكاره على الناسِ.
ثالثاً: للنفس الأمارة بالسوء دسائس كثيرة تُشوِّشُ بها على من يُعالجها، ويحاول إصلاحها، وهذه الدسائس ابتلاءات يُختبر بها الإنسان، وعليه أن ينتبه لها ويتجنبها ماضياً في سبيله إلى أن يلقى ربه، ومن هذه الدسائس تصويرها الأمور على غير ما هي عليه، فتُصوِّر له المعصية طاعة، وبعض أنواع التكبر صيانةً، وإيذاء الناس حسبةً، وقطيعة الرحم هجراً في الله، ومخالفة الجماعة وشقّ عصا الطاعة تصلباً في ديانة، وتُجسّدُ له لوازم حظوظ نفسه ونتائج منافساته على أنها حبٌّ في الله وبغضٌ فيه، وهكذا، وبالمقابل تُثبِّطُهُ عن الطاعات بتصويرها على أنها محذورات ومعاصٍ، فَتُريه الحِلم ضعفاً والصبر استكانةً، ومن تلك الدسائس ثنيُهُ عن الطاعة بحجة أنه قد يكون مرائياً للناس، فقد يَهُمُّ الإنسانُ بطاعةٍ فلا تجد النفس الأمارة بالسوء منفذاً لتزهيده فيه إلا أن تُخيِّل له أنه إن فعلها مدحه بها الناس وأثنوا عليه فهو إنما يفعلها لهذا، ومن وجد من نفسه هذا الهاجس فليبادر بالطاعة مخلصاً، وليُعرض عن هذا الهاجس فترك العمل خوفَ الرياء هو نفسه رياء، قال النووي رحمه الله:" من عزم على عبادةٍ وتركها مخافة أن يراها الناس، فهو مُراءٍ لأنه ترك العمل لأجل الناس".
http://www.alriyadh.com/1910191]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]