تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : همسات «اقتصادية» 1/2



المراسل الإخباري
10-06-2021, 11:39
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png مملكتنا الحبيبة، مملكة الإنسانية والأمن والرخاء والسلام، أفاء الله عليها بخيرات متنوعة ونعم متعددة، فهي بلاد واسعة الأرجاء، مترامية الأطراف، جمع شتاتاتها المتفرقة وضمَّ كياناتها المتناثرة جلالة المغفور له الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه وأحسن مثواه -، كما منَّ الله عليها بكرم سخي لا يضاهى بأن جعلها سادنة وراعية لبيته الحرام ومسجد رسوله الأكرم، وعلى الرغم من مستويات التنمية الاقتصادية والرقي الحضاري والتعليم المتقدم إلى جانب الأخذ بأسباب التقنية المتقدمة وأساليب الحياة الحديثة بيد أن بعض العادات والتقاليد القديمة ما زالت مترسبة في بعض مظاهرنا الحياتية وممارساتنا المعيشية، ونعني بالتحديد هنا ما له صلة بالضيافة والحفاوة والكرم، وما يتعلق بذلك من مظاهر بذخ وإسراف وتبذير، وقد نهانا عنها ربنا جلت قدرته بقوله عز من قائل: "إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا" ‎«الإسراء: 27». كما أن الأكل والشرب له حدود بيَّنها قرآننا الكريم في قول رب العزة والجلال: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" ‎»الأعراف: 31»، كما أن قرآننا الكريم أبان لنا كيف نكون ذوي حصافة واعتدال بين الإسراف والتقتير في صرفنا وإنفاقنا بقوله عز وجل: ‏"وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَ لِكَ قَوَامًا" ‎الفرقان: 67، وأيضاً في منزلتنا ومكانتنا المتزنة مع الأمم بين التساهل والتطرف بقوله تبارك وتعالى: "وَكَذَ لِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ" البقرة: 143‏.
إذن، بعد هذه التوجيهات الإلهية والإرشادات الربانية لحري بنا أن نحيا في ظلالها ونستلهم معانيها ونسير على هداها، حتى نكون بحق أهلاً لما وصفنا به رب العزة والجلال في هذه الآية الكريمة: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه" ‎آل عمران: 110. كما أن الأحاديث النبوية الشريفة ذاتها لم تغفل هذا الجانب المهم في حياة المسلم بل حفلت بالكثير في النهي عن البذخ والإسراف فيما لا يفيد ولا يجدي، وتحثنا على تبني معاني الاقتصاد والاعتدال والترشيد، كما في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه ابن ماجه: " كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا ما لم يخالطه إسراف أو مَخْيلة"، كذلك عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف؟ فقال: أفي الوضوء إسراف يا رسول الله؟ قال: نعم وإن كنت على نهر جار (رواه ابن ماجه). ما أعظم هذه الأحاديث النبوية الشريفة التي وضع فيها نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قاعدة تعتبر من أهم قواعد الاقتصاد، والاقتصاد صفة حميدة إذ هو الحد الفاصل بين الإسراف والبذخ، وبين الشح والبخل، فقد قال الله تبارك وتعالى: "وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ" ‎«لقمان: 19»‏، والمقصود هنا هو التأني والاعتدال في الخطى أي من دون إسراع أو بطء في المشي، وكذلك في نبرات الصوت أن لا تكون خافتة غير مسموعة أو صارخة غير مميَّزة، فالاقتصاد إذن قوامه الاعتدال والتمييز والحكمة والتعقُّل في أوجه الصرف والإنفاق ومناحي التصرف والسلوك .
إذن، في هذا المقال نستطيع أن نتلمس بعضًا من عاداتنا وتقاليدنا وسلوكياتنا التي قد تكون خارجة عن تلك الأطر التي سنَّها وبيَّنها وأشاد بها قرآننا المجيد وسُنَّة رسولنا الكريم، لعلنا نعي أسبابها وندرك تبعاتها مما يحفزنا نحو تصحيحها ومعالجتها بالقدر الذي يجعلنا نواكب مظاهر الحياة المعاصرة التي نمر بها ونعيش في غمارها في ظلال القرآن المبين وسُنَّة النبيّ الأمين، لذا سنطرح هنا قضيتين نرى أن لهما من الأهمية وبعد الأثر ما يرفع من قيمتهما وهما: الأولى الإسراف في الولائم والحفلات، والثانية إعطاء الصدقات والزكوات لغير مستحقيها. فبالنسبة للولائم والحفلات فالكل يدرك ما جبلنا عليه من جود وسخاء وحسن وفادة وكرم ضيافة، وهذه طباع مغروسة ومتأصلة في أعراقنا وعاداتنا منذ القدم، بَيْد أن هناك خطًّا فاصلاً بين الكرم والسخاء وبين الإسراف والتبذير، فمعظم ولائمنا تزخر بفضل من الله بالكثير من أنواع الأطعمة سواءً أكانت ولائم لضيوف في مناسبات اجتماعية أم في حفلات زيجية، ولعل من حسنات وباء كورونا -إذا كان له ثمَّة من حسنات- أن لوحظ انحسارٌ للتكاليف المصاحبة لتلك الولائم والمآدب، بتقليص الاحتفالات وتقليل المناسبات، وتحديد اللقاءات والتجمعات وقصرها على أعداد محدودة فقط إذا لزم الأمر (يتبع ...).
*جامعة الملك سعود




http://www.alriyadh.com/1911208]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]