المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عاد ربيع



المراسل الإخباري
10-10-2021, 22:37
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
ليس من المحمود أن تتخذ المناسبات في تبادل التهم، وتأجيج نار الفتنة بين الأمة، وتفريق قلوبها تهمة بغلو أو بجفاء، وبعيداً عن الدخول في أي صف من صفوف المتعاركين، أحببت التنويه أنهم في خضم خوضهم لهذه المعركة المتكررة ينسون أهم أسبابها، ألا وهو أين موقعه ﷺ في حياتنا؟..
عاد ربيع الأول إلى حياتنا من جديد، والحمد لله على ما منّ به من الحياة، عاد ربيع يحمل في ثناياه ذكريات عطرة من سيرة الحبيب ﷺ، إذ في ربيع الأول ولد الهدى، فشرفت به الدنيا، وازدان بريقها، وإن قد اختلف في مولده عليه الصلاة والسلام فإن من أقرب الأقوال للصحة أنه ولد في يوم الاثنين، التاسع من ربيع الأول، والمشهور عند عامة الناس أنه ولد يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وأما كونه في يوم الاثنين فهذا مما لا شك فيه فقد نص عليه ﷺ كما في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: "فيه ولدت، وفيه أنزل علي". ولما ولدته أمه أرسلت إلى جده عبدالمطلب، ومن المعلوم أن أباه قد مات وهو حمل في بطن أمه، فولد يتيماً بأبي هو وأمي، فكفله جده وهو الذي سماه محمداً، ودخل به الكعبة، ودعا الله وشكر له، ولم يكن اسم محمد معروفاً لدى العرب، ولكنه اليوم أشهر أسماء أبنائها، ولا يكاد يخلو بيت أو أسرة من هذا الاسم، بل بعض العرب والعجم يجعلونه مع أسمائهم، وختنه يوم سابعه كما هي عادة العرب.
في ربيع الأول بدأت قصة الوحي بالرؤيا الصالحة التي كان يراها صلوات الله وسلامه عليه فتأتي مثل فلق الصبح، كما ثبت عنه ﷺ في الصحيح وغيره.
في ربيع الأول أضاءت المدينة بقدومه إليها مهاجراً يرافقه صاحبه الصديق رضي الله عنه، فكان يوماً مشهوداً من أيام الإسلام، حيث ارتجّت البيوت والسكك بأصوات الحمد والتسبيح، وتغنت بنات الأنصار بالأرجوزة المحفوظة عند عامة المسلمين:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع
جئت شرفت المدينة مرحبا يا خير داع
في ربيع الأول أظلمت سماء المدينة بل سماء الدنيا كلها بلحاقه ﷺ إلى الرفيق الأعلى، حيث توفاه الله تعالى في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، فذاق بأبي هو وأمي ما ذاقته وستذوقه كل نفس، من كأس المنايا، وفي ما أنزل عليه "إنك ميّت وإنهم ميّتون"، وعانى ﷺ سكرات الموت، التي جعلت ابنته ترق له وتقول: واكرب أبتاه، فقال لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم. رواه البخاري.
فكان لربيع شرف استقبال الوليد الطاهر، وكان فيه أن تشرفت أرض المدينة بوطء قدمه أرضَها، واحتضان تربتها جسدَه الشريف، مع صاحبيه الطيبين الطاهرين، رضي الله عنهما.
وفي ربيع الأول من كل عام تبدأ معركة حامية الوطيس تتكرر مواقع النزال فيها بين مؤيد ومعارض، بين متلفع بالسنة ومتدثر بالمحبة، بين من يرى الاتباع ويتهم غيره بالابتداع، وبين من يحتفل ويتهم غيره بالبغض للمحتفل بمولده، وهكذا تتواصل رحى الحرب تدور في كل ربيع على نفي القضية أو إثباتها، ولا جديد فيها، فهي أقوال مكررة، وأدلة معادة من كلا الطرفين، هجوم ودفاع، أو هجوم مضاد ومضادات لهذا الهجوم.
وهي عادتنا التي نشأنا عليها أن نصنع من القضايا نقاط اختلاف، ونبني عليها أسساً للعداوة والبغضاء والتصنيف، وتفريق صف الأمة، وليس من المحمود أن تتخذ المناسبات في تبادل التهم، وتأجيج نار الفتنة بين الأمة، وتفريق قلوبها تهمة بغلو أو بجفاء.
وبعيداً عن الدخول في أي صف من صفوف المتعاركين، أحببت التنويه أنهم في خضم خوضهم لهذه المعركة المتكررة ينسون أهم أسبابها، ألا وهو أين موقعه ﷺ في حياتنا؟، فإن فريقاً -للأسف الشديد- لا يكون اهتمامه بالحبيب وسيرته في الغالب إلا في مثل هذه الأيام لمناسبة يوم المولد، فينشطون للاحتفال أو لمنعه والتنفير منه، ثم يمضي العام بعيداً عن سنته، بعيداً عن منهجه، معرضاً عن تعاليمه، بل كثير من المحتفلين بمولده هم أبعد ما يكونون عن سنته واتباعه، وكثير أيضاً من المتمسكين بالتبديع والتضليل للمحتفلين بمولده ﷺ لا ينشطون للحديث عنه إلا في ذلك الوقت تحذيراً وتنفيراً، ثم يبيتون بياتاً شتوياً وصيفياً عن نشر سنته، وبث منهجه وتعليم الناس به وتعريفهم بحياته وسيرته، ولك أن تنظر في الواقع حولك لترى الفرق بين الحديث عنه وعن سيرته وسنته وحبه وبين ما يؤلف ويتحدث عنه في غير ذلك! هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/1911950]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]