المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فيزيائية الحب



المراسل الإخباري
11-13-2021, 03:47
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png استهل ابن حزم الأندلسي (456هـ) رسالته الطويلة التي دبجها في أوصاف الحب ومعانيه وأسبابه وأعراضه -وهي التي وسمها بـ(طوق الحمامة في الأُلفة والأُلّاف)- بهذه العبارة العجيبة، حيث يقول: «الحبُّ -أعزك الله- أوله هزل، وآخره جد، دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وليس بمنكر في الديانة، ولا بمحظور في الشريعة، إذ القلوب بيد الله عز وجل..».
إن الحب ينبعث من شعور يشبه الفيزياء، ولئن اهتمت (الفيزياء) بالأرقام، والظواهر، والقوانين، والقياس، والمنطق؛ فإننا قد نلمح فيها بعض المظاهر التي يصح أن تنطبق على الجانب الإنساني العاطفي، والنفسي، ولا سيما في بعض الظواهر التي قد نلمح فيها أثراً نفسياً، أو معنى عاطفياً، كما في ظواهر الانعكاس، والانكسار، والتداخل، والحيود، والتشتت، واستقطاب الضوء، والحرارة، ونحو ذلك، وفي (السكون)، و(الحركة) بوصفهما مفهومين نسبيين (فيزيائيين) ما يؤكد ذلك.
الحب شعور يتحرك في النفس البشرية ويسكن؛ فالنفس بطبيعتها تميل إلى من تحب، وتألف، وقد جاء في الحديث الصحيح: «الأرواحُ جنودٌ مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف»، هذا الائتلاف، أو الاختلاف سنة بشرية، ويكاد يعظم في الحب، ويتلاشى، فالإنسان بطبعه يحب من يألف، ويصد عمن يكره، ومن هنا تنشأ في النفس حركة، وسكون، تنبعث من أصل فيزيائي؛ لذا عندما يتحدث الفيزيائيون عن دقيقة مادية ما ساكنة، فإنهم يعنون بذلك أنها ساكنة بالنسبة إلى نقطة إسناد معينة، وكذلك عندما يقولون: إن تلك الدقيقة المادية تتحرك فإنهم يعنون بأنها تتحرك أيضاً بالنسبة إلى نقطة إسناد معينة؛ ومن هنا انطلق الأدباء في تصورهم للحب من منطلق فيزيائي حينما ألمحوا إلى ما يعانيه المحبون مثلاً من خفقان القلب، واهتزاز الجسم، واضطراب الجوارح، ونحول الجسم، وشحوب الوجه، واصفرار الجلد، وانعقاد اللسان، ونحو ذلك من الحركات، والسكنات التي تنبعث من قوانين فيزيائية شعورية.
ولقد نظر ابن حزم في كتابه (طوق الحمامة) إلى الحب نظرة دقيقة عميقة، فجعله ضروباً وألواناً، وذكر أن أعلى مراتبه الحب في الله، ثم ما يلي ذلك من الحب الناجم عن البر، والقرابة، والصحبة، والصداقة، والتزاوج، والتشارك، ونحو ذلك، وهو في كل هذه الضروب يلح على الأثر الفيزيائي الذي يولّد ذلك الحب، من حركة المشاعر، وتفاعل العواطف، يقول مثلاً: «وإنك لتجد الإنسان السالي برغمه، وذا السن المتناهية، إذا ذكّرته تذكر، وارتاح، وصبا، واعتاده الطرب، واهتاج له الحنين».
ويذهب ابن حزم في كتابه (طوق الحمامة) إلى أبعد من ذلك، حينما يربط فلسفة الحب برابط فيزيائي أعمق، يقول: «ونفس المحب متخلصة عالمة بمكان ما كان يشركها في المجاورة، طالبة له، قاصدة إليه، باحثة عنه، مشتهية لملاقاته، جاذبة له لو أمكنها، كالمغنطيس والحديد، فقوة جوهر المغنطيس المتصلة بقوة جوهر الحديد لم تبلغ من تحكمها ولا من تصفيتها أن تقصد إلى الحديد على أنه من شكلها وعنصرها، كما أن قوة الحديد لشدتها قصدت إلى شكلها وانجذبت نحوه، إذ الحركة أبداً إنما تكون من الأقوى، وقوة الحديد متروكة الذات غير ممنوعة بحابس، تطلب ما يشبهها، وتنقطع إليه، وتنهض نحوه بالطبع والضرورة وبالاختيار والتعمد..».




http://www.alriyadh.com/1918261]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]