تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : إبرامُ القرار



المراسل الإخباري
11-25-2021, 19:36
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
القدرة على اتخاذ القرار المناسب من أهم وسائل النجاح في الحياة، ولو نظرت إلى كبار الفقهاء والمحدثين وأعيان الساسة والقادة وأمهر الأطباء وأكثر المهندسين خبرة ونظرائهم ممن لم تزل البشرية تقطف ثمرات جهودهم لو نظرت إليهم لرأيت الفرق بينهم وبين غيرهم من الناس أن الله وفقهم إلى اتخاذ القرارات المناسبة واكتشاف المسارات التي ينبغي أن يسلكوها وسلوكها والمثابرة عليها..
كما أن الناس يتفاوتون في الشجاعة والإقدام على المكاره، فمنهم من لا يتضعضع في مواجهة المخاوف، مهما كشرت عن أنيابها، ومنهم من دون ذلك، ومنهم من ينهوي في الدركات، فيتدثّر الجبن والخور، كذلك يتفاوتون في القدرة على إبرام القرار المناسب في الوقت المناسب، فمنهم من إذا حان الوقت اللائم لاتخاذ القرار أقدم عليه بجَنانٍ ثابتٍ ورويَّةٍ متَّزنةٍ مستخدماً ما يتمتع به من مَضاءِ البصيرة، ولا يسمح للعاطفة بأن تجمح به إلى أحد طرفي قصد الأمور الذميمين، ومنهم من دون ذلك تعرف منه وتنكر، ومنهم المستسلم لإِلْفِ نفسِهِ وهواها، فلا يُكلفها عناءَ اتخاذ القرار فراراً مما يستلزمه اتخاذ القرار من مخالفة الهوى وحملِ النفسِ على غير ما تميل إليه، وكدِّ الذهن في تحرّي الأصوب، ولي مع إبرام القرار وقفات:
أولاً: من بركات القدرة على اتخاذ القرار أن فيه دُربةً على أداء كثيرٍ من الواجبات الشرعية، فبعض التكاليف لا ينهض بأعبائها إلا من يستطيع أن يتشجّع على اتخاذ القرار المناسب المخالف لهوى النفس عند قيام السبب الموجب لذلك، ومن أمثلة ذلك أداء واجب التَّحللِ من المظلمة بالاعتراف بها للمظلوم وطلب العفو منه، فما أكثر ما ترى من يعلم أن عليه حقوقاً لفلانٍ وفلانٍ، ويعلم أن وقفة الإنصاف آتية في عرصات يوم القيامة بلا شك، ولكن لا يملك القدرة على اتخاذ القرار الذي يُنجيه من التبعة، وهو التقدم إلى المظلوم وطلب العفو منه، وفي المقابل تجد بعض الموفقين الذين حباهم الله القدرة على إبرام القرار الأصلح يستقيلُ أحدهم مظلومه، وهذه الاستقالة وراءها دافعان يدفعان إليها: اتضاح الحق، والخوف من عواقب الذنب، وكلاهما دليلٌ على قوة الإيمان، وشجاعة الجنان، وقد استغبى نفسَهُ من يرتعُ في عرض أخيه بدعوى النقد ثم يَظْهَرُ له أن الحق مع المظلوم فلا يتحلَّلُ منه، فلو كانت غيرته للحقِّ صحيحةً لَغَارَ عليه إذا تبيّن له أنه انتهك حرمته.
ثانياً: القدرة على اتخاذ القرار المناسب من أهم وسائل النجاح في الحياة، ولو نظرت إلى كبار الفقهاء والمحدثين وأعيان الساسة والقادة وأمهر الأطباء وأكثر المهندسين خبرة ونظرائهم ممن لم تزل البشرية تقطف ثمرات جهودهم لو نظرت إليهم لرأيت الفرق بينهم وبين غيرهم من الناس أن الله وفقهم إلى اتخاذ القرارات المناسبة واكتشاف المسارات التي ينبغي أن يسلكوها وسلوكها والمثابرة عليها، وكذلك بالتحلّي بالشجاعة الكافية لاتخاذ موقفٍ حاسمٍ يفرضه ظرفٌ طارئٌ، ولا يزال التاريخ يُسجِّلُ مواقف متخذي أمثال هذه القرارات، ومن أروع أمثلة ذلك في التاريخ الإسلامي تلكم القرارات التي أبرمها أبو بكر الصديق رضي الله عنه في الفترة الزمنية المفصلية التي تلت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وواجهت الأمة فيها تحديات جمّة، فكان الصديق رضي الله عنه يواجه كلاًّ منها بما يليق بها من القرار، فعالج الصدمة النفسية التي حصلت لبعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم بسبب موت النبي صلى الله عليه وسلم بقولته المشهورة: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ)، وأقنع أهل السقيفة بالعدول عن مقولة (منا أميرٌ ومنكم أمير)، وفي مواجهة مانعي الزكاة والمرتدين قال قولته المشهورة الصارمة: (وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ).
ثالثاً: من تمام القدرة على اتخاذ القرار المناسب أن يستفرغ الوسع في اتخاذ الخطوات السليمة التي تسبقه، والأخذ بما يلزم من وسائل الإصابة، وذلك بالاستعانة بالله واستخارته ثم بالتثبُّت في النظر وتحرّي صحة المأخذ، والإخلاص في طلب الصواب، واستشارة أهل الرأي الموثوقين، فإذا بذل من ذلك ما يجب عليه أن يبذله حتى ظهر له وجه الرأي، فينبغي له أن لا يَنْقُضَ ما أبرمَه من ذلك بمجرد اعتراض غيره عليه ما لم يأت المعترض بدليلٍ قاطعٍ، أو راجحٍ مما يلزم الأخذ به، ولهذا لما خرج عمر رضي الله عنه إلى الشام وتلقّاه من أخبره بوقوع الوباء نَظَرَ وشاور من شاور من الصحابة، ثم قرر العودةَ وعدم القدوم إلى أرضٍ موبوءةٍ، فقالَ له أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ رضي الله تعالى عنه: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: (لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ؟ نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ)، فلما كان قراره مُتَّخَذاً بصورةٍ مُحكمةٍ لم يتركه لمعارضة أبي عبيدة له.




http://www.alriyadh.com/1920476]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]