المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المسجد: مساءلة لمستقبل الفن الإسلامي



المراسل الإخباري
11-27-2021, 23:01
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
إن أي عمل حضاري بحجم توثيق الفنون ودراستها لا يمكن تأطيره في مؤتمر أو عدة مؤتمرات، بل يجب العمل على صناعة تقاليد جديدة لخلق بيئة مفكرة ومبدعة، ولعل ما نفكر فيه حول مسجد المستقبل يمثل مجالاً خصباً لخلق هذه التقاليد..
في الأيام الثلاثة الأخيرة من الأسبوع الفائت نظمت جائزة عبداللطيف الفوزان لعمارة المساجد ومركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء)، في أرامكو، حدثاً غير اعتيادي وهو مؤتمر المسجد والفن الإسلامي، وبصرف النظر عما يحاول أن يقوله هذا المؤتمر، يجب أن نعترف أن الحدث في حد ذاته يلامس الوعي الجديد الذي تحاول أن تصنعه المملكة برؤيتها الطموحة 2030 التي تضع إرادة المملكة وطاقتها لبناء المستقبل وتربط جذورها بمنابع التاريخ التي ولّدت الإلهام عبر تاريخنا العريق. المؤتمر يحاول أن يقول للعالم إننا نستطيع أن نستعيد مصادر الإلهام وأن نصنع تاريخاً مختلفاً لمستقبل العمارة المسجدية وما يمكن أن تخلقه من حراك فكري وإبداعي.
في البداية يفترض أن أبين أن المحاضرين حاولوا أن يبنوا جسوراً بين الماضي والمستقبل، ويبدو أن وجودهم في "إثراء" مركز الإبداع والإلهام في المملكة، دفع بهم إلى طرح أسئلة وجودية أهمها "وماذا بعد؟"، هذا الطرح وهذه المحاضرات، ماذا يفترض أن يتعلمه العالم عن الفنون البصرية في الإسلام ولماذا المسجد على وجه الخصوص كان المختبر الذي ولدت فيه كل لحظات الإلهام التي كانت هي نقاط البداية لفن ذي هوية متفردة لم يقبل فيها أن ينساق إلى فنون أخرى سبقته؟ ومع ذلك كان التحدي هو كيف يمكن أن يعمل إثراء وجائزة الفوزان في خلق بيئة إبداعية مشابهة. وربما السؤال كان: هل يمكن أن يخلقا بيئة مشابهة إذا ما عملا بشراكة علمية ومهنية وفكرية عميقة.
خلال العقود الأخيرة كان الجدل الفكري حول الفنون الإسلامية يدور حول التوثيق والحفظ، ودون شك أن هذا الهدف يشكل محوراً لأي عمل مستقبلي ويحدد ملامح القدرة على صناعة الأفكار، إلا أن هذا الهدف ظل حبيساً لحدوده الضيقة المتمثلة في الحفظ، لا الفهم والتفكيك، والمثير للاستغراب أنه لم يُعقد مؤتمر مشابه لهذا المؤتمر في السابق وكأن الأمر لا يعني أحداً، حتى إن بعض التجارب التي استعرضها المتداخلون كانت فردية أو نابعة من مؤسسات فردية، وكأن الأمر لا يعني المؤسسات الثقافية العامة. في اعتقادي كانت هناك رسالة مستقبلية مهمة بعث بها المؤتمر في إثراء أن صناعة المستقبل تتطلب نظرة مختلفة للماضي وتحتاج إلى عقد شراكات مؤسسية وتبني أهداف تغوص عميقاً في تطور تاريخ الأفكار التي ولد كثير منها من رحم عمارة المسجد.
ويبدو لي أن المؤتمر شخّص الغموض الذي عليه الفنون البصرية في الحضارة الإسلامية، ويبدو أن هذا الغموض نابع في الأصل من النقص الحاد في الدراسات التي تخوض في فنون الحضارة الإسلامية، وبالتأكيد هذا النقص نتج عن مواقف فكرية وعقدية من الفنون بشكل عام. البعض يرفض المبالغة في الزخرف حتى وإن لم تحمل صور ذات الأرواح المحرمة شرعاً، كما يرى ذلك البعض، ورغم أنني أرى أن تفرد الفنون في حضارتنا ولد من رحم هذا الموقف العقلي/ العقدي خصوصاً في عمارة المسجد، إلا أن الجهود لفهم الكيفية التي دفعت بهذا الفن حتى يأخذ أشكاله التي نعرفها اليوم لم تنضج بعد لغياب الأركان الأساسية التي من أجلها عقد هذا المؤتمر، وهي التوثيق والتحليل العلمي العميق والتطبيقات العملية التي تهتم بالحفاظ على روح الحرفة التي شكلت على الدوام العلاقة الروحية بين المادة والروح في هذا الفن المفعم بالحياة.
نحتاج أن نؤكد هنا أن أي عمل حضاري بحجم توثيق الفنون ودراستها لا يمكن تأطيره في مؤتمر أو عدة مؤتمرات، بل يجب العمل على صناعة تقاليد جديدة لخلق بيئة مفكرة ومبدعة، ولعل ما نفكر فيه حول مسجد المستقبل يمثل مجالاً خصباً لخلق هذه التقاليد، لأنه يبدو أننا نبحث عن تقاليد غير تقليدية، وقد يسأل البعض كيف تكون التقاليد غير تقليدية؟ وهذا في واقع الأمر إحدى الأطروحات التي فكر فيها هذا المؤتمر، إذ كيف يمكن خلق تقاليد الإلهام والإبداع التي تكون خارج السياق التقليدي المتوارث؟ الحقيقة أن القضايا المرتبطة بالفن الإسلامي ازدحمت بشكل واضح من خلال أطروحات الزملاء الذين شاركوا من أماكن مختلفة من العالم، ولعل هذا يؤكد أن الفنون الإسلامية كونية ساهمت في خلق مخيلة أجيال من الفنانين والحرفيين ومازالت، كما أنها قضية تقول للعالم إن الباب موارب ويمكن فتحه بقوة على أفكار جديدة وغير مسبوقة.




http://www.alriyadh.com/1920800]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]