المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أَيُّ أَدب لأَيِّ قارئ؟



المراسل الإخباري
12-09-2021, 23:07
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png من غنى الأدب ما يتبرعم فيه من مدارس وتيارات تورق ويتناولها أعلامه فيتركون أثرًا في عصرهم، ثم تحلُّ أخرى في عصر آخر يتناولها آخرون. هذا يعني أن لكل عصرٍ قرّاءه الذين قد لا يظلّ أحفادهم بالاهتمام ذاته لعصور تالية. لذا لم تبقَ الرومنطيقية أو الرمزية أو الواقعية أو السوريالية على وهجها في العصور اللاحقة.
اليوم، مع تطور تكنولوجيا إلكترونية نقلت العصر إلى سرعة الإبلاغ والتبلُّغ، ومع ظهور آلاف وسائل ووسائط ومنصات ومواقع إلكترونية شخصية خاصة أو مهنية عامة، ومع نشوب جائحة كورونيّة عصفت بكوكب الأرض ساجنةً سكانه طويلًا في محاجرهم حتى خرجوا منها كأنهم دخلوا عالَمًا آخر أو كأنهم انتقلوا من أهل الكهف إلى عالم المدنية، أرى أن مزاج الناس تغير مع تغيرات العصر الحاصلة، فلم يعد ما كان كما كان قبل التطور التكنولوجي والتقدم الإلكتروني والجائحة الكونية.
إخال المزاج العام تغيّر إلى إيقاع العصر، سريعِه ومقتَضَبِه. فلا أتصور بعد اليوم جمهورًا يتقاطر إلى قاعة يصغي إلى محاضر على منبر يقرأ محاضرة لساعة ونصف الساعة، ولا إلى شاعر يلقي قصائد ومطوَّلات معظمها شخصي لا يعني سواه ولا يمس بها عرقًا واحدًا من جمهور مستمعيه.
حتى الصحافة العصرية تغيرت بتغيُّر هذا المزاج، فلم تعد فيها مطوّلات ولا نصوص وجدانية تجريدية شخصية بل كتابات أقصر ومعلومات أكثر وتنظيرات أقل، إلّا في حيز تعليقات أدبية تنطلق من معلومة أو فكرة وتناقشها مع استشهادات وأمثلة.
وما أقوله عن الصحافة العصرية أقوله عن الأدب العصري: لم يعد مزاج القارئ اليوم يحتمل كتابات شخصية ذاتية (غزل، وجدانيات، أفكار مضمرة...) بل بات الرائج اليوم (صحافيًّا وأدبيًّا) نص معلومات يقطف منها القارئ خلاصة معرفية يختزنها لثقافته، مشيحًا عن نصوص مغلقة ذاتية لا تعنيه بل تهم صاحبها وتعني حياته الخاصة.
في محاضرة ألقاها الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر على منبر جامعة السوربون لمناسبة تأسيس منظمة اليونسكو (باريس - 30 نوفمبر 1946) قال إن "الكتابة مسؤولية، والكاتب الأصيل هو الملتزم بقضايا الفكر والمعرفة. أما الفن للفن في الأدب فمبدأ عقيم لا يعيش ولا ينجب إبداعًا خارج بوتقته الضيقة. لا بقاءَ لأدب مفرغ من قضية".
ويلاقيه الكاتب الفرنسي الآخر ألبر كامو في تقديم روايته "الطاعون"، فيرى أن الكتابة هي "العيش مرتين"، وهي "ليست عمن يصنعون التاريخ بل عمن يعانون فيه، من هنا أن كل كاتب هو ملتزم غيريًّا ليبقى أدبه، لا ذاتيًّا في كتابات شخصية تسقط مع الزمن".
واضح إذًا أن الكتَّاب الذاتيين لم يعُد لهم جمهور واسع من القراء، وأن صحافة العصر هي صحافة المعلومات والرأي أو التعليق الطالعَين من معلومات، وهو ما تنتهجه الصحافة ويسري على عالم الأدب. ودخول العصر في الوسائط السمعية (الكتاب الصوتي) والوسائل البصرية (الأفلام الوثائقية) وسواها من التطبيقات العلْمية، غيرت مزاج القارئ من البطء السلحفاتي سابقًا إلى إيقاع موجز في وميض مقال أو نص أدبي يقرأه على شاشة مكتبه أو لوحه الذكي أو هاتفه المحمول، يقتطف منه ثمرة معرفية مفيدة.
وما سوى ذلك تخلُّفٌ مرَضيٌّ عن العصر والصحافة والأدب.




http://www.alriyadh.com/1922936]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]