المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محفوظ



المراسل الإخباري
12-11-2021, 20:45
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png في مثل هذا اليوم منذ مائة وعشرة أعوام أبصر الكاتب نجيب محفوظ النور، ولد في القاهرة وعاش عمراً طويلاً ومات فيها. وهي من المدن التي عشقها الشرق والغرب بسبب أجوائها الغرائبية السّاحرة التي تميزها.
إنّها المدينة التي تنام مفتوحة العينين، وتمارس طقوس الحياة كلها دفعة واحدة، خيط رفيع يفصل أثرياءها عن فقرائها، وقسوتها عن حنانها، وشرورها عن خيراتها، وظلمها عن عدالتها، ففي متاهاتها الصعبة يلتقي الجميع كما التقت شخصيات محفوظ تماماً.
بدايات محفوظ الأدبية لم تكن ناجحة، ذاق الفشل كما أغلب المبتدئين في العالم، وكان يظن في سنّه المبكّر ذاك أنّه عرف مفتاح النجاح باستقراء التاريخ الفرعوني العظيم وإعادة كتابته بمخيلته ولغته الجذابة، ولكنّ هذا لم يكن مدخل الأدب الصحيح، فقد كان مسرح النجاح يحيط به من كل الجهات ولم ينتبه إليه إلاّ بعد كتابته عن القاهرة، وتحديداً عن الحارة القاهرية والقدرة الهائلة التي تمتلكها لجمع ألوان لا حصر لها من البشر والحكايات.
يلتقي هو وبروست ونابوكوف وألبير كامو في عشق كره القدم، وقيل إنه كان "لعّيب ممتاز"، ولكنه كان أعقل من أن يحترفها، كانت خياراته للأدب نابعة من ميوله المناهضة لكل أنواع العنف بما فيها عنف الملاعب، لكن صاحب الرؤية الثاقبة لأدق تفاصيل مجتمعنا العربي فاته أن قلمه سيقذف به في ساحة معركة لم تخطر ذات يوم على باله، وأن قصصه التي أُلهِم بها من محيطه القاهري الضيق ستكون سبباً في نجاحه ولكنّها أيضاً ستضعه في مواجهة الفريق الخاسر الغاضب الذي كان يستثمر في جهل المجتمع ويعيش على إخفاء الحقائق وتغييبها.
عاش محفوظ حياة أدبية قلقة لا نعرف من تفاصيلها غير الجزء اليسير، ليس فقط لأنّه كان كتوماً وبارعًا في خفض رأسه أمام كل رياح عاتية تهبُّ عليه، بل لأنّه كان موظف حكومة وكان يجب أن يتقن هذا الدور جيداً حتى يحافظ على باب رزقه واستقلاليته أيضاً، ومن هذا المنطلق سندرك اليوم أن الرّجل عرف الكثير من الأسرار في المؤسسات التي عمل فيها، ولكنّه أخذها معه تفادياً لصدامات إضافية للتنبيهات والتوجيهات التي كانت تأتيه من "فوق" من أجل تخفيف انتقاداته للمجتمع.
إنسانية محفوظ لا نعرف عنها الكثير ولكننا نعرف قمّتها حين سامح الرجل الذي طعنه في محاولة لاغتياله، وفي مواقف أخرى يذكر منها أنه تبرّع بثلث قيمة نوبل التي حصل عليها لصالح مرضى الفشل الكلوي لأنه كان أحد المصابين به.
يمكن لعشّاق الأدب زيارة متحف محفوظ، الذي جمعت فيه مقتنياته، لكن المؤسف أن مخطوطات له ضاعت ولا يعرف لها طريق، وسواءً أُهملت أو بيعت سرًّا أو تمّ إخفاؤها حتى يتضاعف سعرها عشرات الأضعاف، فإن محفوظ سيعمّر طويلاً، وكثير من أسراره ستكشف مستقبلاً.




http://www.alriyadh.com/1923324]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]