المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بدعة التنظيمات والجماعات



المراسل الإخباري
12-17-2021, 01:49
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
"مَن اجتهد في أداء المخترعات غير المسنونة وعَمَرَ بها وقته فلا جرم أنه تفوته السنن التي شُرعت لِتُعْمَرَ بها تلك الأوقات، فالسنة والبدعة لا واسطة بينهما، فمن أحيا سنةً أماتَ بدعةً، ومن أحيا بدعةً أماتَ سنةً، وقد رأينا هذه الجماعات قد أماتت سنناً وأحيوا بدعاً، وإن كانت تدّعي العكس، فالعبرةُ بالواقع لا بالـمُدَّعى.."
هناك وسائل كثيرة يتوصل بها الناس إلى تسيير شؤون حياتهم، وتتنوع كيفية تشريع هذه الوسائل، فمنها مصالح مرسلة يؤخذ بها بحسب الغايات التي تُفضي إليها، وليست هذه المصالح على درجةٍ واحدةٍ؛ لأنها تكتسب أحكامها من تلك الغايات، ومنها مصالحُ كُليَّةٌ لم يجعل الشرعُ إلى الناس الخيرَةَ فيها كتوحيد البيعة الموجبة للطاعة، والمنظمة للعلاقة بين الـمُبايِع والـمُبايَع، فلم يجعل الشرع أمر البيعة موكولاً إلى ما يختاره الإنسانُ ليُبايع من شاء متى شاء على ما شاء، ولم يضع حبلَ الـمُكلَّفِ على غاربه ليَنْضَمَّ إلى ما أحبَّ من الجماعات والتنظيمات يُوالي فيها ويُعادي، ويقف عند أوامر زعيمها ونواهيه، بل أوجب عليه طاعة ولي الأمر (السلطان) وأمره بلزوم الجماعة، وذلك يُنافي الانضمام إلى التنظيمات والجماعات، ولي مع ذلك وقفات:
أولاً: شأنُ البيعة عظيمٌ، وهي من الشعائر الدينية التي يجب أن تُصان عن ابتذالها، وأن يُتجنّب إقحامها في غير بابها، وهي ميثاقُ السياسةِ الشرعيةِ في الإسلام، ولها شأنٌ عظيمٌ؛ لما ينبثق عنها من الميثاق الأكيد؛ ولأجل ذلك وردت نصوصٌ كثيرةٌ في تفخيم أمرها، ومنه حديثٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إِمَامٍ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ نَزَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ»، أخرجه مسلم، ومعلومٌ أن الناس إذا تجرؤوا على بذل الشيء لغير مستحقه هان عليهم، وضعُفت خصوصياته في أنظارهم، وتخيّل أغلبهم أن ذلك مَكرمةٌ منه يبذلها على حسب ما تُمليه عليه سجيَّتُه، وحاشا أن يسوغ ذلك في البيعة وهي الوثيقة التي يترتب على وفاء الناس بها -بإذن الله- استقرار الدولة واستتباب الأمن وتآلف القلوب، وفي الإخلال بها إفسادٌ في الأرض وتعريض الآمنين لخطر الهرج والمرج، وفوق ذلك كله كانت وسيلةَ توثُّقٍ شُرعت على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم وجرى به عمله وعمل السلف الصالح بعده، فمن عظّمها فقد عظّم سنةً نبويةً، ومن تلاعب بها فقد برهن على هوان السنة عليه.
ثانياً: لا يُعرفُ في صدر الإسلام بيعةٌ للعالم أو الواعظ أو الزاهد من حيث هو كذلك، وإنما البيعةُ للسلطان يتلقّاها هو أو من يُنيبه من الولاة والقادة، وكل من أمكنه منهم الإسهام في التعليم والوعظ والإرشاد أسهم بما أمكنه، من جاء عالـمَهم تعلم منه، فإن تتلمذ عليه تتلمذ بلا إلزامٍ ولا بيعةٍ ولا فرضِ سلطةِ الشيخ عليه، ولم يأخذوا على من يستفيد من علمهم بيعة، ولم يلزمه المفيد بالتقيد به ولا بتبعيته؛ ولم يُعرف عنهم تسورُ أهلِ العلم والديانة على أدوار لم تُنَطْ بهم، ولا أُثر عنهم استغلال العلم والديانة في مآربَ حزبيةٍ أو شخصيةٍ، ولهذا انتفع الناس بهم وعمَّ علمهم الآفاق، وبعيدٌ أن تُقارَنَ بركةُ علمِهِم ويُـمْنُ إرشادهم بما نتج عن نشاطِ التنظيمات والجماعات التي يشترط أصحابُها على من ينضمُّ إليها شروطاً وضوابط ما أنزل الله بها من سلطان، ويأخذ بيعته؛ ليضمن ولاءَه المطلق، فإن ظنَّ من يُعطيهم البيعة أن بيعةَ المرشدِ أو الشيخِ أو نحوهما مغنيةٌ له عن بيعة سلطانه فقد ابتدع، وعرّضَ نفسه للوعيد الوارد في حقِّ من مات وليست في عنقه بيعة، وإن ادعى أن البيعتين لا تتعارضان، وتخيّلَ إمكان اجتماعها فقد خدع نفسه؛ فهذا النوع من الانقياد الذي تطلبه هذه الجماعات هو نفسه المطلوب بذله لوليِّ الأمر، ولا يمكن تجزؤه.
ثالثاً: عمل الجماعات والتنظيمات والطرق يُحيطُهُ الكثيرُ من الإشكالات، وأبرزها نوعان: أحدهما: أنها تُـمهِّدُ للشرخ الاجتماعي بسبب إحداثها رابطةً وثيقةً خاصةً بها يُوالى فيها، فهل يجهل العاقل أن هذا تمهيدٌ للتفريق، وأن من بَذَرَ هذا الشرَّ مُنتظرٌ للفرصة ومتى سنحت له استغلّها لشقِّ الصفوف، وفي أحسن أحواله يكون متمكناً من التفريق لو أراده، فالتنظيمُ في أحسنِ أحواله عبارةٌ عن ذريعةٍ إلى التمكن من زعزعة الصف، ومثل هذه الذريعة يجبُ سدُّها، وثانيهما: ما يشوب التنظيمات التي تدَّعي التسليك والتربية من التكلفات والتعقيدات والتفاصيل والإلزامات المخترعة، وكل ذلك مُنافٍ لسماحة الإسلام ويسره، وشاغلٌ عن إيقاع العبادات على الوجه المسنون؛ لأن الوقت والجهد محدودان، فمَن اجتهد في أداء المخترعات غير المسنونة وعَمَرَ بها وقته فلا جرم أنه تفوته السنن التي شُرعت لِتُعْمَرَ بها تلك الأوقات، فالسنة والبدعة لا واسطة بينهما، فمن أحيا سنةً أماتَ بدعةً، ومن أحيا بدعةً أماتَ سنةً، وقد رأينا هذه الجماعات قد أماتت سنناً وأحيوا بدعاً، وإن كانت تدّعي العكس، فالعبرةُ بالواقع لا بالـمُدَّعى.




http://www.alriyadh.com/1924308]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]