المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جوائز لمسجد المستقبل: دلالات فكرية ومهنية



المراسل الإخباري
12-18-2021, 23:11
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
هذه الجائزة التي تقدمها المملكة للعالم تخطو في دورتها الرابعة لتحاور عمارة المسجد كقضية مستقبلية خصوصا وأن عدد المساجد بلغ 4 ملايين تقريبا مما يؤكد الدور الكبير والمهم الذي تلعبه الجائزة في تشكيل ثقافة العمارة المسجدية حول العالم..
الحديث مرة أخرى عن عمارة المسجد لا بد أن يرتبط بتحولات مهمة في الاهتمام بهذه العمارة على وجه الخصوص، ويبدو أن الاحتفال الكبير الذي أقامته جائزة عبداللطيف الفوزان لعمارة المساجد يوم الأربعاء الفائت لتوزيع جوائز دورتها الثالثة (2017 - 2020) أحدث حراكا جديدا حول عمارة المسجد المستقبلية، هذا الحفل كان بحضور رئيس مجلس أمناء الجائزة الأمير سلطان بن سلمان ورعاية من أمير منطقة المدينة الأمير فيصل بن سلمان بعد أن تأخر الاحتفال قرابة العام ونصف العام نتيجة الجائحة، الاحتفاء بسبعة مساجد من مختلف العالم الإسلامي من سومطرة في إندونيسيا إلى مصر، بعد أن أمضت الجائزة نحو الثلاثة أعوام في دراسة واختيار المشاريع المرشحة للفوز وبعد أن عملت لجنة التحكيم ما يقارب العام ونصف العام للوصول إلى هذه المساجد السبعة، هذه الإجراءات الطويلة والمضنية لها دلالاتها المهنية والفكرية التي يجب أن نتوقف عنها ونبحث في تأثيرها على مسجد المستقبل، فلماذا هذه السبعة مساجد؟ وكيف تختلف عن بعضها؟ وما الرسائل التي تقدمها؟
بالتأكيد إننا عندما نقول إن سبعة مساجد حصلت على هذه الجائزة العالمية، فهذا يعني أن هناك اختلافات أساسية تفتح آفاقا إبداعية أمام المصممين موجودة في كل مسجد، ولعلي أبدأ بالحوار الذي جري في اليوم الثاني لتوزيع الجوائز حيث تجمع عدد من المتخصصين بالإضافة لمصممي المساجد وجرى حوار نقدي حول المساجد الفائزة، المقارنة بين مسجد باصونة في مصر الذي يركز على تفكيك عناصر العمارة المحلية ويعيد تركيبها على المستوى البصري والتقني والحضري والجمالي يقدم مدرسة فكرية ومهنية مختلفة تدفع إلى التفكير في لحظات الإلهام ومصادرها وكيف تؤثر على قرارات المصمم، وعند مقارنة هذا الاتجاه المحلي المستقبلي مع فكرة مسجد مركز الملك عبدالله المالي في الرياض الذي حاز على إحدى الجوائز فإن المدرسة المحلية من الناحية الفكرية ومصادرها الإلهامية تختلف فهو مسجد يستمد فكرته من زهرة الصحراء الرملية ويتشكل ليستوعب الأشكال البلورية التقنية المحيطة به في المركز المالي لكنه في نفس الوقت يربط نفسه بالمحلية ومصادرها غير المحدودة.
دعوني أقول إن جائزة عبداللطيف الفوزان لعمارة المساجد ترتكز على خمسة معايير في اختيارها للمساجد الفائزة، هذه المعايير ليست بالضرورة أن تجتمع في فائز واحد وبالتالي يظهر التفاوت في مقدرة المصمم على التعبير عن هذه المعايير من مكان لآخر، أول هذه المعايير ارتباط المسجد مع المكان والمحيط الحضري الذي يقع فيه، وهذا المعيار أحد الإشكالات الرئيسة في عمارة المسجد المعاصرة، المعيار الثاني هو التعبير البصري والجمالي والقدرة على عكس هوية المسجد المعاصر والمستقبلي ببساطة ودون مبالغة، وهذا المعيار كذلك يشكل معتركا فكريا وجدليا معاصرا تهتم الجائزة بمعالجته، كما أن عناصر الاستدامة، سواء في الطاقة أو المياه وحتى استخدام المواد تمثل معيارا أساسيا، فالجائزة تحث على الابتكار ووضع حلول تقنية منخفضة تكاليف التشغيل، والمعيار الرابع يهتم بالمعالجات التقنية والسلوكية، وهو معيار مرتبط بشكل أساسي كيف ساهم تصميم المسجد من الناحية التقنية في التقويم السلوكي التشغيلي للمستخدمين (أماكن الوضوء وأماكن خلع الأحذية وغيرها)، وأخيرا تأثير المسجد على المحيط الاجتماعي، ويبدو أن هذه المعايير الخمسة تسلط الضوء على الإشكالات الرئيسة التي تعاني منها العمارة المسجدية اليوم وفي المستقبل.
لذلك نجد أن المسجد الكبير في سومطرة ومسجد جيني في مالي قدما أفكارا عميقة حول الارتباط المجتمعي وأكدا على أن الشكل البصري يمكن أن يولد من رحم هذا التفاعل العميق بين العلاقة الإنسانية والروحية مع المكان، التحدي الحقيقي هو أن تدفع الجائزة هذه العلاقات بشكل مهني عميق في المستقبل وتحولها إلى مبادئ وقيم تصميمية متجذرة في أذهان المصممين، كما أن المسجد الأحمر في بنغلادش ومسجد "سنجكلار" أو غار حراء في أسطنبول يقدمان تجارب تقنية عميقة فالمسجد الأحمر يخلو من الجدران حتى في جدار القبلة يمكن أن ينفتح على الخارج ويتحول إلى مسجد مفتوح عند الحاجة بينما مسجد سنجكلار يعزز الارتباط مع المكان الطبيعي فهو جزء من التكوين الطوبوغرافي الجبلي ولا تشعر بوجود المسجد إلا من خلال مئذنته التي تقف شاهدا في فضاء طبيعي يدعو إلى البحث والاكتشاف، أحد الشعارات التي تبنتها الجائزة خلال السنوات الفائتة أن المسجد عابر للثقافات لكن يمكن أن نقول كذلك إن المسجد مشكل للأمكنة وصانع لهويتها، يبقى مسجد شكيب أرسلان في لبنان كمثال يؤكد مقدرة هذا المبنى على إعادة تكوين المكان ورسم حدود الفضاء الذي يشغله والمشهد البصري الذي يعكسه.
هذه الجائزة التي تقدمها المملكة للعالم تخطو في دورتها الرابعة لتحاور عمارة المسجد كقضية مستقبلية خصوصا وأن عدد المساجد بلغ 4 ملايين تقريبا مما يؤكد الدور الكبير والمهم الذي تلعبه الجائزة في تشكيل ثقافة العمارة المسجدية حول العالم.




http://www.alriyadh.com/1924648]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]