تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : هل في القصيدة المنبرية دومًا شِعر؟



المراسل الإخباري
12-23-2021, 20:02
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png في السائد أن الشاعر العربي يُدعى إلى إِلْقاء شعره منبريًّا في مناسبات مختلفة، عدا وقوفه لإلْقاء قصائده في الأمسيات، أو في المهرجانات الشعرية.
فهل قدَرُ القصيدة المنبرية أن تنطوي مع انتهاء إلقائها على المنبر؟
وهل كلُّ مناسبةٍ منبرية ينطفئُ حضورُها مع انصراف الحضور من أمام المنصة؟
هذان الانطواء والانطفاء يحصلان في موضعين:
1- حين المناسبةُ عاديةٌ عابرة لا سنَدَ لها كافيًا يجعلُها تظلُّ في البال أو حتى في المحفوظات. وتلك المناسبة العادية (عائلية، شخصية، إخوانية، محلية...) لا تستحقُّ هنا التبسُّط بها. عاديَّتُها تلغيها من النقاش، وتُسْقِط معها القصيدة الملقاة حتى لو نشَرها شاعرها لاحقًا. وستبقى لا تعني إلَّا هو، وقلةً معه حضروها، أو يعرفون ذوي الصلة بالمناسبة. فهي إِذًا ضيّقة الأفق لا تستحق البحث.
2- حين القصيدة الملقاة في المناسبة نَظْمٌ مسَطَّحٌ، ولا قيمةَ شعريةً لها تَجعلُها تظلُّ في البال، أو في محفوظات الشاعر طريقًا إلى نشْرها ذات يوم في كتاب. وقصيدةٌ دون المستوى الشعري لا شعرَ فيها بل نظْم بارد، ولا تستحقُّ هي الأخرى التبسُّط بها. فنظميَّتُها، إذ لم تبْلغ الشِعر، تُلْغيها من التداول والذاكرة والمحفوظات، ونَشْرُها في مجموعة لصاحبها يَدينُه أكثر مما ينفعه.
أيُّ قصيدةٍ منبرية إذًا تكون صالحةً شعريًّا؟ وأيُّ مناسبة؟
من بداهة الأمور، عند مواجهة الطلب، أنْ يَصعُبَ الشاعر في اختيار المناسبة التي يرضى الاشتراك في الوقوف إلى منبرها. هذا يعني ألّا يرضى القبول بأيِّ مناسبةٍ يكتب فيها، أو من وحي ظرفها، قصيدة خاصة جديدة. فما كلّ مناسبة جديرة بشرف أن تقال فيها قصيدة (أستثني من هذا المعيار الشعر الشعبيّ العاميّ باللهجة المحكية فهو في أساسه مبنيٌّ على المناسبات من دون انتقائية).
معيار هذه الانتقائية الدقيقة كي يرضى به الشاعر فيكتب قصيدة جديدة، أن ترتفع المناسبة إلى مستوى الشعر، لا العكس، أي لا أن يندرج الشعر في سياق المناسبة أيًّا تكن وأنَّى تكُن. وبـ"المناسبة" هنا أعني الشخصَ المكرَّم (راحلًا كان، أم رافلًا بالحضور) أو الذكرى المحتفى بها (وطنيةً كانت، أو أدبية، أو سواهما). وبـ"رفع المناسبة الى مستوى الشعر" لا أعني التقليل من أهمية المناسبة (لشخصٍ كانت، أو لذكرى، أو لتكريم) بل أعني أن يجعل الشاعر تلك المناسبة جديرة لتدخل في حُرمَة القصيدة وفي تاريخه الشعري. فرُبَّ مناسبةٍ لتكريم عظيم، أو ذكرى غالية، يكون الشاعر دونَها فيستغلّها لبروزه هو لا لإبراز المناسبة، وتأتي قصيدته تمجيدًا مجَّانيًّا مدحيًّا دون مستوى الشعر العالي الذي من شأنه، حين هو من شاعرٍ متمكن مكرَّس، أن يُخلّد المناسبة، وتاليًا صاحبَها أو ظرفَها. فرُبّ مناسبةٍ دون شرف الشعر، ورُبّ قصيدةٍ دون مستوى المناسبة.
أهمية قصيدة المنبر: تضمينُها ما ينصّع مناسبتَها، وإنما أيضًا ما يعتنقه الشاعر ليقول آراءَ له، أو نظرةً، أو وِقفةً وجدانية.
إذًا: رفْعُ المناسبة إلى مستوى الشعر هو من شأْن الشاعر لا من طبيعة المناسبة. وهنا مهمّة الشاعر في الانتقاء: أن تكون قصيدته مبنيّة لا على "ماذا" في المناسبة، بل على "كيف" يقارب هو هذه المناسبة لكي يَضْمَن لقصيدته البقاء. فالشعر، أيًّا تكن ظروف وضْعه، ليس الـ"ماذا" بل الـ"كيف": لا "ماذا يقول الشاعر" بل "كيف يقول ماذا"؟
أفصّل أكثر في المقال التالي (الخميس المقبل).




http://www.alriyadh.com/1925558]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]