المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في اتجاه القِبلَة



المراسل الإخباري
12-25-2021, 22:01
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png متى ما تخلّى المبدع عن حريته تحوّل إلى مادة طيّعة في أيدي تابعيه، فالحرية هي أغلى ما يملك على الإطلاق. وعليه أن يكون حذراً خاصة في خياراته أمام مغريات المال والسياسة.
فالمبدع بشكل ما سفير قيم وقضايا إنسانية لا يجب أن تتعارض مع المفهوم الأخلاقي. وفي مواجهة هذا الطرح خطر ببالي سؤال جاد حول تجربة الممثل السوري جهاد عبدو أو جاي عبدو وفق اسمه الفني الجديد الذي أتفهمه جيداً بسبب محمولات الاسم اللغوية والتي أصبحت عبئاً على حاملها في المجتمع الغربي.
وبغضّ النّظر عن الآراء التي اختلفت بشأن مواقفه فإنّ من نراه اليوم في النتاج الغربي فنّان منغمس في قضايا الإنسان العربي واللاجئين في العالم أكثر من أولئك المتمسكين بنجوميتهم ولا يزالون يؤدون أدواراً في مسلسلات سطحية يتنافسون فيها فيما بينهم على عرض أناقتهم ووسامتهم.
في فيلمه "Facing Macca" الذي يعرض حالياً على منصّة نتفليكس يأخذنا المخرج السويسري الشاب جان إيريك ماك إلى واقع اللاجئين في بلد أوروبي، مراهناً على أداء جاي عبدو لتجسيد دور "فريد" اللاجئ الذي يكتشف أن المعادلة صعبة بالنسبة لأزمة البشر المعاصرة، فالبلدان التي تحرمك من الحياة تقذف بك إلى بلدان قد توفّر لك ظروفاً مقبولة لتعيش إلى أن تنتهي صلاحيتك فتقذفك إلى موطنك لتدفن فيه. وكأنّ العالم منقسم إلى نصفين، الأول مخصص للموت ويمكنك أن تعيش فيه ميّتاً طيلة حياتك إلى أن تموت ميتتك الأخيرة، والثاني تبقى فيه ما دمت حيًّا ومفيداً، تعيش فيه حرّا بكل معتقداتك إلى أن تموت حينها تصبح معتقداتك عبئاً غير مقبول.
على مدى خمس وعشرين دقيقة تنبثق المأساة من ملامح فريد وهو يشرح لصديقه رولي أهمية أن تدفن زوجته باتجاه القبلة، وأمام العقبات العديدة التي يواجهها في كل مرة لتحقيق أمنيته يلجأ الاثنان إلى مخالفة القانون ويدفنان الجثة في مكان بعيد في قلب إحدى الغابات. لكن هذا ليس حلاًّ نهائياً لمشكلته، إذ ينتهي الفيلم أمام مشهد الرّحيل حين يحمل فريد حقائبه وينتظر التاكسي ليغادر هو وابنتاه المكان، دون أن نفهم هل سيعود إلى بلده، أم إلى بلد آخر.
ليبقى السؤال عالقاً ماذا كان بإمكان اللاجئ أن يفعل بمعتقده وإيمانه أمام القوانين الغريبة التي يبتكرها البشر للأحياء والأموات؟ فمطلب فريد كان بسيطاً جداً رغم أبعاده المعنوية بالنسبة له كمسلم، لكن بالنسبة لسلطة البلد المستضيف فإن الأمر سيخلخل الخارطة الدقيقة للأموات والأحياء معاً.
النهاية المفتوحة تجعلنا نتذكّر أن أغلب البلدان العربية في حقب مضت كانت تخصص مقابر لليهود والمسيحيين دون أيّ رسوم للدفن، حين كانت أرضنا تحضن الأحياء والأموات دون عنصرية.
نال الفيلم عدة جوائز عالمية، وأثار قضية إنسانية جديدة كانت طيّ الكتمان إعلامياً لسنوات طويلة.




http://www.alriyadh.com/1925940]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]