تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حديث القمر بين المنفلوطي والرافعي



المراسل الإخباري
12-25-2021, 22:01
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png يعد الأديبان المصريّان: مصطفى لطفي المنفلوطي (ت 1924م)، ومصطفى صادق الرافعي (ت 1937م) من عمالقة الأدب العربي الحديث، والنثري منه بوجه خاص، وقد يكون الحديث عن مكانتهما الأدبية السامقة من مكرور القول، غير أنه لا بد من الإشارة إلى تفردهما بالنثر العربي الحديث، وأنهما لم يكونا اسمين عابرين فحسب، بل كانا من المؤسسين للنهضة الأدبية الحديثة، ومؤلفاتهما الرصينة تشهد بذلك، فعلى سبيل المثال، من يتأمل كتاب (النظرات) للمنفلوطي، أو (وحي القلم) للرافعي سيدهشه ما كانا يقومان به من تأليف أدبي رائق، وأسلوب فني شائق، وهو أمر ملحوظ في أكثر مؤلفاتهما.
وعلى الرغم من أن لكل منهما خطه التأليفي المتوهج، فإنه من الطريف أن يتناص الأديبان في موضوع واحد، أو فكرة معينة، كما في (مناجاتهما القمر، والحديث معه)، وأعتقد أنهما في ذلك قد تميّزا، إن لم يكن قد تفرّدا؛ إذ من المعلوم أن الأدباء والشعراء منذ القديم إلى عصرنا هذا تناولوا القمر، ولكن تناولهما له كان في أكثر الأحوال تناولاً عابراً، يشبّه القمر تشبيهاً محدوداً، أو يشير إليه إلماحاً وتوظيفاً، كما فعل البحتري مثلاً «عليك السلام أيها القمر البدر ..»، وابن المعتز «انظر إليه كزورق من فضةٍ ..»، وغيرهما، والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى، ومع هذا الكم الهائل من النماذج التي تطرقت للقمر وصفاً، أو ذكراً، فإننا لم نجد في تراثنا الأدبي - حسب حدود علمنا المتواضع - من أفرد الحديث المباشر مع القمر، أو خصّه بمناجاة طويلة، أو حاول تشخيصه بطريقة عميقة وفلسفية كما فعل المنفلوطي والرافعي.
وإذا كان المنفلوطي قد وُلد قبل الرافعي ببضع سنوات تقريباً، وأبدع كتابه (النظرات) قبل أن يؤلف الرافعي كتابه (حديث القمر) ببضع سنوات أيضاً، فإن المنفلوطي أسبق في حديثه مع القمر من الرافعي، حيث بوّب فصلاً في كتابه (العبرات) تحت عنوان (مناجاة القمر)، على أن الرافعي كان أكثر توسعاً، وتعمقاً، واختصاصاً؛ إذ وضع في ذلك كتاباً ضمن كتبه الحسان، وقد نضح كتابا المنفلوطي والرافعي بمناداة القمر «أيها الكوكب المطل من علياء سمائه - أيها القمر المنير - أيها القمر..»، وبالإفضاء إليه، واستنطاق صمته، كما يقول المنفلوطي: «إن بيني وبينك شبهاً واتصالاً، أنت وحيد في سمائك، وأنا وحيد في أرضي، كلانا يقطع شوطه صامتاً منكسراً حزيناً»، وكما يقول الرافعي: «آه عليك يا قمري الجميل (...) إنك لتسكب الصمت والنوم والأحلام على الأرض في ضيائك ممزوجة بالأفكار الجميلة...».
ونستطيع القول: إن الرافعي كان أغزر حديثًا، وأطول مناجاة، وإن كان المنفلوطي أكثر وضوحاً، ومكاشفة، وجمالاً، حتى أنه يرقب حركة القمر منذ طلوعه، فيناجيه لحظة بلحظة، فيشبّه بزوغه بــــ «حسناء تشرف من نافذة قصرها»، ثم ينهي حديثه معه، فيغرب بغروبه، فيقول: «مالي أراك تنحدر قليلاً إلى مغربك..»، ولا يمكن أن نجزم بأن الرافعي كان متأثراً بالمنفلوطي في حديثه مع القمر، غير أن التناص بينهما واضح، ولا يمكن إخفاؤه، إذ نجد تشابهاً في أكثر من موضع، وتوافقاً في غير موضوع، يقول الرافعي في كتابه: «أيها القمر الذي يشرق من بعيد..»، ثم يختم كتابه كما ختم المنفلوطي حديثه مع القمر مودّعاً، يقول: «والآن أراك أيها القمر أنشأت تنحدر مسترسلاً..».




http://www.alriyadh.com/1925923]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]