تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : طلاء الزائف



المراسل الإخباري
12-30-2021, 23:18
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
قد يكون منطلق الإنسان صحيحاً، ثم يطرأ عليه الاعوجاج، فيستميت في ستر عواره بمظاهر حسنة مُزيَّفة وأسماء شريفة مستعارة ليس تحتها شيء من الحقيقة، فينبغي للإنسان أن يتفقد سلوكه ومستوى سيره في الطريقة الوسطى، وكلما أحسَّ بانحرافه إلى أحد شقي التطرف بذل ما في وسعه لتعديل المسيرة، وأن يحرص على الاعتدال وتحري الحق..
قديماً عُرِفَ باعة المقتنيات والمعادن بارتكاب الحيل لتلبيس الزائف لباس الأصلي ترويجاً له، فذاك يَطلي البهرج بماء الذهب ليبدو ذهباً، وآخر يخلط الرديء بالجيد، وثالث يفعل كل ما من شأنه أن يُلبِّس به على الناس، وتلك قسمتهم من سائر ما يحتال به المحتالون في طلب الأرزاق، فمن شقَّ عليه الإجمال في الطلب بالتي هي أحسن سلك الطرق المعوجة، وأعرافُ الناس متفقةٌ على ذمِّ ذلك، والتعاون على فضح من انكشف أنه يتعاطى الغش والخديعة والتشهير به، وإذا كان الأمر كذلك في المنافع المحسوسة التي يهتدي كثير من الناس إلى التنبه للغش الحاصل فيها، والضرر الناتج عنه جُزئيٌّ غالباً، فمن باب أولى أن تشتد شناعة طلاء بهرج الأفكار والمواقف المعنوية بالعناوين البرّاقة والأسماء اللامعة، فهذا خطرٌ جسيمٌ؛ لأن أغلب الناس لا يهتدي إلى الصواب في المواقف المغشوشة، وخطر الأفكار المزوَّقة شاملٌ عامٌّ؛ لأن الأفكار من شأنها أن تَعبُرَ البلدان، وتطير في الآفاق، ولي مع المواقف والأفكار المطلية وقفات:
أولاً: أخطر أنواع تزوير الأفكار والمواقف ما تعلّق بأمور الدين، ففي هذا النوع من الجناية على الإسلام والمسلمين ما لا يعلمه إلا الله، وتنتظم فيه أنواعٌ كثيرةٌ من المخالفات الشرعية، منها الكذب على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، والابتداع في الدين، والتشويش على المسلمين في عباداتهم وإيقاع الخلافات والنزاعات بينهم، وقد أرسى الإسلام مبدأ سامياً لو انطلق منه المسلم في شؤونه لسَلِمَ من معرّة التزوير والتظاهر بغير الواقع، وذلك المبدأ هو الإخلاص، ولا شك أن كل من يبتدع أفكاراً أو يَتَّبِعُ مبتدعاً لها، ويدافع عنه مُنطلقٌ من نيةٍ فاسدةٍ، وساعٍ وراء مقصدٍ غير مشروعٍ، ولا يشفع له في ذلك ما عسى أن ينشأ عن اغترار الناس به من مصالح نتجت عن غطاء الحق الذي استعمله في سبيل ترويج فكرته، فالعمل إذا لم يُخلص لله تعالى لم يكن مَحمَدَةً ولم يُؤجر عليه فاعله، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ" أخرجه مسلم.
ثانياً: من أخطر ما ينتج عن إضفاء حُلَلِ الشرعية على الفكر المعوج أن المبطل يتمكن بواسطة ذلك من تهييج مشاعر العامة، ويُغرِّرُ بهم في متاهاتٍ تُبعدُهُم عن الحق، وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعاً، ثم إذا أُشرِبتْ قلوبهم ما ألقى إليهم من الشُّبهِ جعلهم أداةً يتسلطُ بها على المستقيمين الذين لم ينضووا تحت لواء تلك الأفكار المستحدثة، وإذا أراد المبطل أن يستطيل على المستقيم اتهمه بالتقصير في ثوابت الحق، ولا يخجل من سخافة تلك التهمة، ولما شاغب أهل الكوفة على واليهم الصحابي الجليل أحد العشرة المبشرين بالجنة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه غلّفوا شَغَبَهُمْ الشائن بدعاوى مغرضة من بينها أنه لا يُحسنُ الصلاةَ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: "شَكَا أَهْلُ الكُوفَةِ سَعْدًا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارًا، فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لاَ يُحْسِنُ يُصَلِّي، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ إِنَّ هَؤُلاَءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لاَ تُحْسِنُ تُصَلِّي، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَمَّا أَنَا وَاللَّهِ «فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَخْرِمُ عَنْهَا، أُصَلِّي صَلاَةَ العِشَاءِ، فَأَرْكُدُ فِي الأُولَيَيْنِ وَأُخِفُّ فِي الأُخْرَيَيْنِ»، قَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ" أخرجه البخاري. أفبعد هذا نستغرب أن نسمع تلاعباً وتظاهراً زائفاً بنصرة الحق من مُبطلٍ أو جماعةٍ مبتدعةٍ أو حزبٍ أو مُشاغبٍ على أميره؟ كلا لن نستغربه فنمطق أهل الأهواء والفساد واحد، وتفكيرهم على نمطٍ معينٍ.
ثالثاً: قد يكون منطلق الإنسان صحيحاً، ثم يطرأ عليه الاعوجاج، فيستميت في ستر عواره بمظاهر حسنة مُزيَّفة وأسماء شريفة مستعارة ليس تحتها شيء من الحقيقة، فينبغي للإنسان أن يتفقد سلوكه ومستوى سيره في الطريقة الوسطى، وكلما أحسَّ بانحرافه إلى أحد شقي التطرف بذل ما في وسعه لتعديل المسيرة، وأن يحرص على الاعتدال وتحري الحق إذا دافع عن فكرةٍ نبيلةٍ أو موقفٍ مُشرِّفٍ، فقد يجني على نظرة الناس إلى الصواب وتمسكهم به إذا استغل دفاعه عنه لمآرب ذاتية واعتبارات ضيقة ومصالح جزئية، فكثير من الناس لن يُفرِّقَ بين الصواب -الذي لو عُرض عليه بصورةٍ صحيحةٍ لقبله- وبين أخطاء المتحمسين لنصرته، وحظوظهم النفسية، فينفر منهما معاً، ويُحمِّلُ الحقَّ مسؤولية أخطاء من يدعي الدفاع عنه، بينما الخطأ مقصورٌ على هذا المدعي، والحقُّ بيِّنٌ لا شائبة فيه.




http://www.alriyadh.com/1926841]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]