المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المناسبة ليست وحدها معيار القصيدة المنبرية



المراسل الإخباري
12-30-2021, 23:18
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png أواصل ما بدأْته في المقال الماضي ("الرياض" 23 ديسمبر الحالي) عن القصيدة المنبرية، وما عناصرُ بقائها بعد انقضاء المناسبة.
في جوهر الشعر: لا فرقَ في النسيج الشعري بين قصيدةٍ منبرية في مناسبة، يكتبها الشاعر ليُلقيها على منصَّة فيسمعها منه المتلقّي، أو قصيدةٍ يكتبها الشاعر كي ينشرها ليقرأها عنه المتلقّي.
لكنّ في الأَمر فخًّا للشاعر والمتلقِّي معًا، يجب التنبُّه له.
"فخُّ" القصيدة المنبرية أنّ الشاعر غالبًا ما "يكتُبها بصوته" ويقرأها لوحده "بسمْعه"، أكثر مما يكتبها بنبْضه ويقرأها بِحِرصه. أَي أنه يكتبُها بصوته الجهوري الخطابي المنبري متوقِّعًا ردّة فعل المتلقي، فيعمَد غالبًا إلى أمرين بَديهيَّين:
1- في الإلقاء: الإكثار من التطريب وهو يلقيها، خصوصًا عند نهايات بعض الأبيات، طمعًا بتصفيق الجمهور لنبْرته (ولو لم يكن البيت عالي الشِّعرية).
2- في النص: الإكثار من صُوَر وتعابير (وغالبًا: مبالغات) تُثير لدى الجمهور ردّة فعلٍ ذاتَ صِلة - وغالبًا يصفّق الجمهور للنبرة الإلقائية في نهاية البيت أكثر مما يصفق إعجابًا بالبيت نفسه -، فتستثير أبياتٌ بعينها تصفيقًا من الجمهور يطرب له الشاعر على المنبر ويتوقّع تهانئ الجمهور على تلك الأبيات بعينها بعد نزوله عن المنصة، وقد لا تكون تلك الأبيات بالذات من الشعر العالي. وهذا قد يقرّب الشاعر من جمهوره لكنه قد يُبعده عن الشعر، أي: يقرّبه من الآنيّ العابر ويُبعده عن الدائم الخالد.
الخلاص من هذا الفخّ هو تفكير الشاعر، فيما يكتب قصيدته أو تاليًا فيما يلقيها، أنّ الأهم ليس تصفيقَ الجمهور لهذا البيت أو ذاك، لهذا المعنى أو ذاك، بل هو اشتغالُه على القصيدة بعناصر الشعر المتينة، فتكون عمارةً شعرية قوية، منبرًا كان مَآلُها أم نشْرًا، قصيدةَ مناسبةٍ كانت أم قصيدةَ غَزل.
ولا يستهينَنَّ الشاعر بالمناسبة، على أنها عابرة وتَمضي، لأن المناسبة تَمضي ولا يذكُرها لاحقًا إلّا بعضُ حضورها وأرشيف الصحف. أما القصيدة فتبقى، ويُحاسَب الشاعر عليها في أيّ وقت لاحق. إذا كانت عابرةً هي المناسبة، فالشعر ليس عابرًا.
غالبًا ما يخلّد الشاعرُ المناسبةَ فتكون قصيدته مرجعًا إليها ولو بعد حين، وتكون القصيدة هي التي خلّدت المناسبة لا العكس. هذه، مثلًا، معظَمُ قصائد المتنبي: خلّدت الممدوحين ومناسبات إلقائها، فعاشوا بفضْلها حتى اليوم مع أن الشاعر فيها نَحا غالبًا إلى مدح شخصي مباشر أرضى الممدوح يومذاك على حساب اللمعة الشعرية العالية، لكنها اليوم لم تعُد تُرضي الشعر.
هكذا قصائدُ المناسباتِ المنبريةُ المشغولةُ بإتقان شعري متين: تخلّد أصحاب المناسبة فترضيهم يوم إلقائها، لكنها كلّ يومٍ تُرضي الشعر لما فيها من مضامين شعرية وحضارية وفكرية يكون الشاعر طرّزها على أعلى مستوى من الشعر، ناحتًا قصيدته عمارةً تحتوي المناسبة فلا تعود المناسبة سوى إطار ظرفي للقصيدة الخالدة.




http://www.alriyadh.com/1926842]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]