تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سيرة عالم



المراسل الإخباري
01-02-2022, 07:25
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
حياة المجتمع آنذاك صورة مغايرة ومعاكسة لما نحن نريده من الناس أن يعيشوها، إذا عرفنا من هو «إسحاق الموصلي» وهي في الحقيقة حياة قد ازدهر فيها الإسلام في فتوحاته وحضارته، واجتمع فيها من العلماء والفقهاء والمؤرخين واللغويين..
استهل الإمام الذهبي ترجمته بأجمل ما يوصف به عالم فقال: "الإمام العلامة الحافظ ذو الفنون"، وكانت قراءتي لسير الذهبي قديمًا، ولكني أذكر أن هذا الاستهلال جعلني أتصور صاحب الترجمة قبل شروعي في قراءتها، فهذه الألقاب توحي برجل قد ملأ الأفق علمًا وشهرةً، وملأت سيرته كتب العلماء والفقهاء، ولا سيما ونحن بين يدي الإمام الحافظ الذهبي - رحمه الله -، والذي يعد كتابه السير من أبرز كتب الرجال، ويعد كلامه في الرجال في مراتب عالية عند العلماء، لكن على غير توقعي وجدته يسرد ترجمة "إسحاق الموصلي" والمعروف بإسحاق النديم، واستطرد بعد توثيقه ومدحه قائلاً: "صاحب الموسيقى، والشعر الرائق، والتصانيف الأدبية مع الفقه واللغة، وأيام الناس، والبصر بالحديث، وعلو المرتبة".
كانت قراءتي آنذاك، منطلقة من الواقع الذي غلب على أكثر المجتمع، لم أتعمق فيما وراء الأحرف والجمل التي لم يخطها الإمام الذهبي بيُسر في آيباد أو لابتوب، وإنما كان الأمر أشق من ذلك بكثير، فهو يتجشم تجميع الورق وانتقاء الأقلام، وكل ذلك يدل على أهمية المكتوب وما كان يقبع وراء تلك الصفحات من تاريخ وأنماط حياتيه لمجتمعات، سنحتاج ضرورة بعد قرون لمعرفة ما كانوا عليه من عمل، إذ إن الإسلام تقاسم توارثي بين النص الشرعي وبين العمل به على مر العصور.
يستطرد الإمام الذهبي قائلاً: "وسمع من مالك بن أنس، وهشيم بن بشير، وسفيان بن عيينة، وبقية بن الوليد، وأبي معاوية الضرير، والأصمعي، وعدد كثير". إذن فنحن أمام شخصية مشبعة بالعلم والفقه والحديث، ولم يتوقف الأمر عند طلبه وأخذه، بل تابع الذهبي قائلاً: "حدث عنه ولده حماد الراوية، وشيخه الأصمعي، والزبير بن بكار، وأبو العيناء، ويزيد بن محمد المهلبي، وآخرون، ولم يكثر عنه الحفاظ لاشتغاله عنهم بالدولة".
والذهبي يصور لنا بذلك حياة المجتمع آنذاك صورة مغايرة ومعاكسة لما نحن نريده من الناس أن يعيشوها، إذا عرفنا من هو "إسحاق الموصلي" وهي في الحقيقة حياة قد ازدهر فيها الإسلام في فتوحاته وحضارته، واجتمع فيها من العلماء والفقهاء والمؤرخين واللغويين، ما لا يبلغه اجتماع من بعدهم فكيف بأهل عصرنا؟. وتابع الذهبي: "قال إبراهيم الحربي: كان ثقة عالما. وقال الخطيب: كان حلو النادرة، حسن المعرفة، جيد الشعر يتابع الذهبي: "وعن إسحاق الموصلي قال: بقيت دهرا من عمري أغلس كل يوم إلى هشيم أو غيره من المحدثين، ثم أصير إلى الكسائي، أو الفراء، أو ابن غزالة، فأقرأ عليه جزءا من القرآن، ثم إلى أبي منصور زلزل فيضاربني طرقين أو ثلاثة، ثم آتي عاتكة بنت شهدة، فآخذ منها صوتا أو صوتين، ثم آتي الأصمعي، وأبا عبيدة فأستفيد منهما، وآتي مجلس الرشيد بالعشي ". ولعلنا نستطيع أن نتصور من سيكون الذي يقرأ على الكسائي أو الفراء أو ابن غزالة؟
لكن هناك شيء غريب في الأمر، نمر عليه آنذاك، ويمر عليه أكثرنا اليوم، ولا نحاول استخراج مكنون العبارات فيه، مع أنها أشد وضوحًا من الشمس في رابعة النهار، ذلك الأمر هو ذكر "الموسيقى" في ترجمته، وذكر "عاتكة بنت شهدة" ومن تكون؟ وفي الحقيقة الأمر غير ما تصورناه وصورناه، فهذا الإمام الحافظ كان في مجتمعه "مغنياً" وعاتكة هذه كان يتعلم منها الغناء والعود، وهو في الأصل قد تعلم ضرب العود من صغره، وكانوا يعدون الغناء علمًا، وحين كبر وأخذ العلم والفقه والحديث والقرآن، واجتمعت فيه الفنون أصبح ينادم الأمراء في مجالسهم ويناظر الفقهاء في دروسهم، وكان ذا شأن في مجتمعه، ولعل للحديث بقية.. هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/1927238]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]