تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الحراك الاستعماري المتجدد



المراسل الإخباري
01-05-2022, 23:21
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
إن الذي تعمل عليه حركة الاستعمار - في عصرنا الحاضر - يُعبِّر عن احترافية ومهنية عالية جداً استمدتهما من تجاربها التاريخية - حيث طورت الناجح من تلك التجارب، وصححت الفاشل منها - حتى تمكَّنت من اختراق المجتمعات المستهدفة على كل المستويات، واستطاعت النَّفاذ لنقاط القوة ومكامن الضعف في كل المجالات..
غريزة الهيمنة وفرض النَّفوذ على الآخر قائمة مُنذُ الأزل بين أتباع الحضارات والثقافات والعرقيات والمجتمعات والدول، وستظل هكذا بِغضّ النَّظر عن المُسميات التي تتسمَّى بها وتنضوي تحتها، وبسبب هذه الغريزة القائمة على الهيمنة وفرض النفوذ تولدت حركة الاستعمار التي تعددت مستوياتها من المحلية ثم الإقليمية حتى وصلت للعالمية، وكذلك توسعت معانيها لتخدم أهداف ومصالح المُستعمر، وتنوعت مُسمياتها بما يجعلها مقبولةً شكلاً وشعاراً لدى العامة من الرُعاع والجُهلاء عديمي الخِبرة وفاقدي المعرفة، لذلك نجد أنه مهما تعاقبت القرون وتغيرت الأزمنة وتبدلت المُسميات، فإن حركة الاستعمار ظلَّت مُستمرة ولم تتوقف لحظةً واحدة، ولن تتوقف إطلاقاً. نعم، فرغبة الهيمنة والسيطرة وفرض النُّفوذ على الآخر لن تتوقف إطلاقاً لأن كثيرا من أتباع الحضارات والثقافات والعرقيات يراها الطريق الوحيد لِنشر ثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وللمحافظة على حضارتهم ولغتهم ونقاء عرقهم، ولِضمان أمنهم واستقرارهم وسلامة مجتمعاتهم، وللتحكم بمصائر أعدائهم سياسياً واقتصادياً وأمنياً، هكذا هي أهدافهم العامة التي يتطلعون لتحقيقها على أرض الواقع، ويعملون لتنفيذها من دون توقف، إيماناً منهم بأنهم الأفضل حضارةً وثقافةً، والأرقى والأنقى عرقاً، والأعلى منزلة بين الأمم، والأحق بالعيش الكريم.
لقد استطاعت حركة الاستعمار أن تُجدِد من منهجها ولغتها، وأن تطور من أساليبها وسلوكياتها، وأن تُحدِّث من خططها واستراتيجياتها، وأن تُحاكي عواطف الشعوب وحاجاتهم النفسية، وأن تُبدِع في توظيف أدواتها البشرية والمادية، مما مكَّنها من التقدم وتحقيق النجاحات والانتصارات المُتتالية على حساب المجتمعات الجاهلة بحركة التاريخ، والغافلة عن الواقع، واللاهية بالمسائل الجانبية عن المسائل الرئيسة، إن حركة الاستعمار هذه تميزت عبر التاريخ بأنها تعمل باحترافية عالية جداً - سواءً في حالة نجاحها أو في حالة فشلها - مما أكسب روادها خبرة كبيرة في توظيف المنهج والأدوات لفرض الهيمنة والنفوذ، ومعرفة دقيقة بمكامن ضعف وقوة المجتمعات المراد استهدافها والسيطرة على مقدراتها وثرواتها، وعلم بالموارد البشرية الجاهزة للتوظيف والقابلة للارتزاق والعمالة والقادرة على خِدمة أهداف الاستعمار. نعم، إنها مناهج عمل احترافية تبنتها حركة الاستعمار عبر التاريخ وما زالت تتبناها - بما يتناسب مع كل عصر - لِتضمن مواصلة هيمنتها وسيطرتها، وزيادة مكاسبها ومواردها، واستمرار انتصاراتها في الميادين كافة.
إن الذي تعمل عليه حركة الاستعمار - في عصرنا الحاضر - يُعبِّر عن احترافية ومهنية عالية جداً استمدتهما من تجاربها التاريخية - حيث طورت الناجح من تلك التجارب، وصححت الفاشل منها - حتى تمكَّنت من اختراق المجتمعات المستهدفة على كل المستويات، واستطاعت النَّفاذ لنقاط القوة ومكامن الضعف في كل المجالات، فبدلاً من البقاء في مناهج وأساليب وطرق الماضي الاستعماري، استغلت حركة الاستعمار الثورة التقنية والتكنولوجية العظيمة لتحقيق أهدافها وغاياتها بكل احترافية ودهاء، فهذه الثورة التقنية والتكنولوجية - وخاصة في مجال الاتصالات ونقل المعلومات - استغلتها حركة الاستعمار لِتتمكن من الوصول بأفكارها ورؤاها إلى جميع فِئات المُجتمعات المستهدفة بأسرع الطرق وأقل التكاليف، وبما أن المُستعمرين يتمتعون بالصبر، ويتميزون بالهدوء، لتحقيق غاياتهم وأهدافهم، فقد استهدفت خُططهم واستراتيجياتهم - متوسطة وبعيدة المدى - الفِئات العُمرية الصغيرة والمتوسطة لإدراكهم أنهم الفِئة الأسهل للتأثر والانقياد، وبأنهم المُستقبل الذي تعتمد عليه المجتمعات، وهذا الاستهداف للفِئات السنية الصغيرة والمتوسطة جاء مباشراً ومُكثفاً - مُستغلاً الوسائل التقنية والتكنولوجية والمعلوماتية المتاحة - بغرض هدم القيم والمبادئ التي نشأت عليها هذه الفئات العُمرية، وكذلك لتمرير الأفكار والمعلومات الهدامة التي تخدم أهداف المستعمر وتجعله مقبولاً في المستقبل. ومما يساعد المُستعمر في تحقيق أهدافه الآنية المُتمثلة باختراق المُجتمعات فكرياً وثقافياً ومعلوماتياً هو قدرته على التحكم بمصادر وأمن المعلومات التي تصل للمجتمعات المستهدفة.
وبالإضافة لاستهداف الفِئات العُمرية الصغيرة والمتوسطة عبر الوسائل التقنية والتكنولوجية المتقدمة، استهدف المُستعمر أيضاً جميع الفِئات العُمرية بالمجتمعات المستهدفة مُستغلاً التقدم العظيم في مجال الإعلام بمختلف وسائل وأدواته، لقد استطاع المُستعمر أن يجعل من أفكاره ومبادئه وقيمه مادة إعلامية دائمة عبر وسائل الإعلام المُتاحة، ومادة إعلامية مُشبَّعة بالمواد والبرامج التي تُعلي من شأن حضارته وثقافته ومبادئه وقيمه ولُغته على حِساب حضارة وثقافة ومبادئ وقيم ولُغات المُجتمعات الأخرى، ومن أجل ضمان مواصلة التأثير وسُرعة الاختراق بأسرع وقت، عمل المُستعمر على مخاطبة العاطفة - خاصة لدى الفِئات العُمرية الصغيرة والمتوسطة -، واستقطب الرُعاع والجُهلاء وعديمي المعرفة ليُسوِقوا لأفكار المُستعمِر وليُعلوا من شأن مبادئه وقيمه، وفي نفس الوقت يُسفِهوا بمبادئ وقيم وحضارة مُجتمعاتهم.
فإذا كان استغلال التطور التقني والتكنولوجي أداة جديدة لاختراق عقول الفِئات العُمرية الصغيرة والمُتوسطة، وإذا كان استغلال وسائل الإعلام المُختلفة أداة جديدة ومُتجددة لتسويق مبادئ وقيم وأفكار المُستعمر وتحسين صورته، فإن زرع الفِتن والفُرقة بين أبناء المجتمعات، واستغلال المُرتزقة والعُملاء لاختراق وحدة صف المجتمعات، وتوظيف الجماعات والتنظيمات والأحزاب المتطرفة والإرهابية، أدوات مُتجدِدة يستخدمُها المُستعمرون للسيطرة البطيئة على المجتمعات المُستهدَفة، إن حركة الاستعمار المُتجدِدة - التي تعمل بجهود كبيرة وجدية عالية وصبر عظيم - تسعى لتحقيق أهدافها وغاياتها للهيمنة على المُجتمعات المُستهدفة والسيطرة على مقدراتها وثرواتها بتكلفة قليلة جداً - يُساهم فيها المُرتزقة من أبناء المجتمعات المُستهدفة - بينما يحقق المُستعمِر أهدافه وغاياته، ويحصل على فوائد عظيمة بأبخس الأثمان.
وفي الختام من الأهمية القول إن حركة الاستعمار المُتجددة - التي تسعى ليل نهار لتحقيق أهدافها وغاياتها الاستعمارية - تعمل بهدوء، وصبر، وذكاء شديد، لهدم وتدمير المُجتمعات المُستهدفة من داخلها لِتتمكن - يوماً بعد يوم - من التحكم بمصائرها، ولتُرسم مستقبلها، بما يخدم أهداف وغايات أُولئك المُستعمرين. إنها حرب شرسة تختبئ خلف ستار ناعم من المُصطلحات البَّراقة التي تزرع الوهم والأحلام الزائفة في قلوب عديمي المعرفة وضعيفي النفوس المُستعدين للتسليم والانقياد من غير وعي وإدراك بمُخططات أعدائهم.




http://www.alriyadh.com/1927872]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]