المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العربي بين النار والماء



المراسل الإخباري
01-07-2022, 08:05
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
إن النار لها شأن في جمع الناس، يتباحثون حولها في جميع أمورهم كما ورد في كتاب «فوق الرمال العربية» للرحالة الإنجليزي ويلفريد وثسغنر، فيقول: «يقضون الليل كله حول نيران المخيم، لا يملون الحديث، وهم لا يرحمون من لا يجدونه ذا صبر، وروح مرحة، وكرم أخلاق، وإخلاص، وشجاعة، كما أنهم يمنحون الأجنبي عنهم حريته في التصرف أو الحياة كما يشاء..
عجيبة تلك الشخصية العربية التي تشكلت بين حدي الماء والنار! فالعربي يعشق الماء، حتى أن التهاني تنتشر بنزول المطر، ويشد رحله حيث منابعه بل ويستمد متعته من مشاهدته، ولذا تشكلت الشخصية من هذا المؤثر الأول في حياة البدوي وهو الماء.
ولكن ليس ذلك فحسب وإنما تشكلت من النار أيضاً، فهو يعشق النار ويستمد منها كرمه ومتعته وصفته، فكان ذلك العربي ماء ونار في آن واحد، وقد يصل إلى أحد الحدين في كثير من الأحيان!
وللنار تاريخ في حياة العرب، فبها يعلنون الضيافة، وبها يستقدمون الضيف أو عابر السبيل، وبها يعلنون الصلح بين القبائل، وبها يعلنون الحروب، وبها يطردون الجن، وبها يـأنسون في قلب الليل من هوام الأرض، وبها يهتدون إلى السبيل، كما جاء في القرآن الكريم في سورة طه، الآية 10 "إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أو أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى".
وللنار في حياة العربي أربع عشرة ناراً، كما وردت في أحد المصادر، وهي:
الأولى: نار المزدلفة، وهي نار توقد بالمزدلفة ليراها من دفع من عرفة، وأول من أوقدها قصي بن كلاب.
الثانية: نار الاستمطار، كانوا في الجاهلية إذا احتبس المطر عنهم، جمعوا البقر وعقدوا في أذنابها وعراقيبها السلع والعشر، ثم يصعدون بها في الجبل الوعر ويشعلون فيها النار، ويزعمون أن ذلك من أسباب المطر، وقال في القاموس: "والتسليع في الجاهلية كانوا إذا أسنتوا علقوا السلع مع العشر بثيران الوحش وحدروها الجبال وأشعلوا في ذلك السلع والعشر النار، ويستمطرون بذلك"، انتهى.
الثالثة: نار التحالف، كان أهل الجاهلية إذا أرادوا عقد حلف أوقدوا ناراً وعقدوا الحلف عندها، ويزعمون أن من نقض العهد منع خيرها، قال أبو هلال العسكري: "وإنما كانوا يخصون النار بذلك لأن منفعتها تخص الإنسان، لا يشاركه فيها غيره من الحيوان.
الرابعة: نار الطرد، فإنهم كانوا يوقدونها خلف من مضى إذا كان شخصاً لا يحبذون رجوعه.
الخامسة: نار الأهبة للحرب، وكانوا إذا أرادوا حرباً أو توقعوا جيشاً، أوقدوا ناراً على جبل يبلغ الخبر لأصحابهم فيأتونهم، وأول من أوقد هذه النار بنو طيء.
السادسة: نار الحرتين، كانت في بلاد عبس تخرج من الأرض، فإذا كان الليل فهي تسطع، وفي النهار دخان يرتفع، وربما بدر منها عنق فأحرق من مر بها، فدفنها خالد بن سنان، فكانت معجزة له.
السابعة: نار السعالي، وهي نار ترتفع للمتقفر والمتقرب فيتبعها، فتهوي به الغول على زعمهم. وعلى سبيل المثال تلك الحكايات عن السعالي والغيلان، فيقول سعد العبد الصويان في كتابه (الصحراء العربية): "يُحكى أن نجاباً جسوراً، وهو صاحب البريد، يجوب البراري بمفرده جيئة وذهاباً حاملاً الرسائل بين المشايخ والأمراء. وفي ليلة شديدة الظلمة والبرودة شعر بأن وقع مطيته تباطأ، فتلمس بيده من خلفه فوجد رديفاً له بشعر كثيف، فلم ترتعد فرائصه، وكل ما قاله متعجباً: (الله شعر ضافي أو راهي)، وكان رديفه غولة فقالت: (والله عقل وافي). فاحتال على الغولة بأن أناخ راحلته وأوقد ناراً عظيمة وصار يدهن يديه ورجليه من دهن معه ويصطلي على النار فهربت الغولة، وقيل احترقت وصارت تصيح وهي تحترق، وتقول: (وا صيدة صدتها وافخت منها)".
الثامنة: نار الصيد، وهي نار توقد للظباء لتعْشى إذا نظرت إليها.
التاسعة: نار الأسد، وهي نار يوقدونها إذا خافوا الأسد لينفر عنهم، فإن من وفي ذلك نروي حكاية سردتها لنا مسنة تجاوز عمرها المئة عام من بلاد عسير، فقالت: "كنت أنفذ أوامر زوجي بأن قرر أن نرحل بمضاربنا إلى جانب مضارب وحلة إخوته، وقد قرر أن نرحل ليلاً لكي نتفادي حرارة الشمس. فحملت طفلي الرضيع وجمعت الحلال (الأغنام) وهو حمل باقي الأولاد والبقر وسرنا في ليل شديد الظلام. إلا أننا افترقنا، ويبدو أنه سبقني بكثير، فوجدت نفسي وحيدة ومعي طفل وقطيع من الأغنام، ولما لبثت خفت أن تهاجمني الذئاب، حينها جمعت الحطب وأشعلت النار ففرت الذئاب، ومكثت مكاني حتى الصباح ثم استأنفت المسير".
وفي كتاب سبائك الذهب لأبي الفوز البغدادي، يقول:" شأن النفَّار من النار، لأنه إذا رأى النار استهالها وفزع منها، وقيل إنه إذا رأى النار حدث له منكر صده عن قصده".
العاشرة: نار القرى، وهي نار توقد ليلاً ليراها الأضياف فيهتدوا بها ويفدوا إليها.
الحادية عشرة: نار السّليم، وهو الملدوغ، كانوا يوقدون النار للملدوغ إذا لدغ، يساهرونه بها، وكذلك المجروح إذا نزف من المضروب بالسياط، ومن عضه كلب لئلا يناموا فيشتد بهم الأمر حتى يؤدي بهم إلى التهلكة.
الثانية عشرة: نار الفداء، كان الملوك منهم إذا سَبوا نساء قبيلة، خرجت إليهم السادة للفداء والاستيهاب، فيكرهون أن يعرضوا النساء نهاراً فيفتضحن أو في الظلمة فيخفى قدر ما يحسبون لأنفسهم من الصفي، فيوقدون ناراً لعرضهن.
الثالثة عشرة: نار الوسم، وهي النار التي يسِم بها الرجل منهم خيله، أو إبله، فيقال: ما سِمة إبلك؟ فيقول: كذا.
الرابعة عشرة: نار الحباب، وهي كل نار لا أصل لها، مثل ما ينقدح بين نعال الدواب وأمثالها.
كما أن النار لها شأن في جمع الناس، يتباحثون حولها في جميع أمورهم كما ورد في كتاب "فوق الرمال العربية" للرحالة الإنجليزي ويلفريد وثسغنر، فيقول: "يقضون الليل كله حول نيران المخيم، لا يملون الحديث، وهم لا يرحمون من لا يجدونه ذا صبر، وروح مرحة، وكرم أخلاق، وإخلاص، وشجاعة، كما أنهم يمنحون الأجنبي عنهم حريته في التصرف أو الحياة كما يشاء.. ولا يفرضون عليه عاداتهم، ومثلهم وتقاليدهم، وهذه حقيقة يعرفها كل من سافر في صحبة هؤلاء القوم. وحينما يدخل عليهم أحد ينهضون جميعاً، ثم نذهب إلى حيث موقد النار، فأحيي الأعراب الجالسين حولها قائلاً: "السلام عليكم"، فينهضون قائلين: "وعليكم السلام". إن البدو يردون التحية دائماً واقفين ولا يردونها جالسين". ولذلك ترك كل من النار والماء تشكيلاً كبيراً في بنية الشخصية العربية بل وضعت بين حديهما!




http://www.alriyadh.com/1928278]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]