المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متى يهدؤون؟



المراسل الإخباري
01-11-2022, 23:24
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
اليوم ومع زحمة الإعلانات فيما بين أيدينا من أجهزة والأساليب الغريبة التي ينتهجها المشاهير في دعوة الناس لشراء ما يحتاجون وما لا يحتاجون لابد من رفع درجة الوعي الجمعي ضد هذا الاستهلاك المدمر ليس للأموال فقط وإنما للأنفس وقناعاتها التي اهتزت فشوهت النفوس والأجساد وكسرت القلوب..
كان هذا الحوار يدور بين شابين أحدهما عاد من دولة خليجية بعد جولة على معارض السيارات قال الأول: تلك التي رأيتها في المعرض أنظف وسعرها 350 ألفاً، قال الثاني: ولكنها لا تقارن مع الأخرى وهي أقل سعراً إنها 300 ألف!
فهمت من الحوار أنهما يتحدثان عن سيارات فارهة مستعملة استعمالاً نظيفاً كما يقولون! تدخلت في النقاش رافضة فكرة شراء سيارة مستعملة بهذا السعر فاجأهما رفضي للفكرة، فكان الرد من كليهما هذا ما تتطلبه الحياة اليوم شيئاً من الفخامة، وكان المتحدث يشغل منصباً إدارياً رفيعاً ويرى أنه لابد من سيارة فخمة تتناسب وفخامة منصبه الإداري، والآخر يؤيده في ذلك، فتذكرت صديقتي التي أبدت استغرابها من إقبال الفتيات على اقتناء سيارات فارهة جديدة وبالتقسيط رغم أن الوضع المادي لا يسمح بذلك، فإحداهن مثلاً تدفع 4000 ريال من راتبها من أجل سيارة فخمة لا تناسب حتى باقي ممتلكاتها المادية البيت والملابس وغيرهما!! ولكن هل هذه النماذج وحدها في هذا الأمر؟ الحقيقة لا، فإذا نظرت إلى كل ما يحيط بنا اليوم من إعلانات ودعوات كثيرة للاستهلاك المستمر وبجنون فلابد أن تتوقف وتسأل لماذا؟ ما كل هذا الانجراف للتزويق الذي لا داعي له عند الجنسين الذكور والإناث كل فيما يهمه أن يظهره ببذخ أمام الآخرين؟! حتى وصل الأمر إلى الاحتفالات الرسمية التي صارت عند بعض الإدارات تشبه الأعراس من فرط الزينة.
تغيظني وتضحكني بعض التفاصيل التي يتهافت عليها الناس كتغيير شكل قوارير الماء وتلبيس دلة الشاي والقهوة لباساً لا يليق بها، عدا عن استخدام أشياء في غير ما صنعت له أو أوقات لا تناسبها كوضع الشموع على طاولة في وجبة غداء مثلاً أو على طاولة مزينة في الكورنيش في وضح النهار!
لا شك أن التصوير ساهم في إشاعة هذه الرغبة في أن يظهر الناس ما لديهم وشراء ما لا يملكون من أجل تصويره ولكن الأمر زاد كثيراً عن حده فابتلي الناس باستهلاك مضر. فهناك من يشتري بيتاً كاملاً ويكون قسطه 4000، وهناك من يشتري سيارة قد تضيع في لحظة - لا سمح الله - ويكون قسطها 4000 ريال وشتان ما بين الأمرين، فالأول سكن وأمان للمشتري وأسرته لزمن ممتد، والآخر للتظاهر والاستمتاع المؤقت فقط!
اليوم ومع زحمة الإعلانات فيما بين أيدينا من أجهزة والأساليب الغريبة التي ينتهجها المشاهير في دعوة الناس لشراء ما يحتاجون وما لا يحتاجون لابد من رفع درجة الوعي الجمعي ضد هذا الاستهلاك المدمر ليس للأموال فقط وإنما للأنفس وقناعاتها التي اهتزت فشوهت النفوس والأجساد وكسرت القلوب وملأتها بالحسرة. والشواهد حولنا كثيرة من أبسط الأمور إلى أكبرها؛ خذ على سبيل المثال استهلاك الرموش الصناعية عند الفتيات التي صارت عند الأغلبية منهن بمثابة ضرورة من ضروريات الحياة! فما الذي يجبرها على وضع رموش صناعية في الصباح الباكر وهي ذاهبة إلى مقر عملها!! لا أحب التبرير لهذا بأنه تحب نفسها وتريد أن تظهر في أجمل صورة طوال الوقت فهو أمر غير مقنع فلو كانت تحب نفسها حقاً لقبلتها بلا رموش صناعية أو غيرها.
لست ضد الزينة ولكن في حدود المعقول وفي مستوى الرقي من التزين. أما هذه الزينة التي جعلت بعضهن يقدمن على عمليات تجميل لا داعي لها إلا لأن فلانة المشهورة أجرت تلك العملية وازدادت جمالاً فلا.. إن هذا أمر جد خطير. ثم ماذا عن نسبة الطلاق المتزايدة من أجل حياة أخرى حياة غارقة في الفخامة والأموال والهدايا والسفر هنا وهناك. وماذا عن الأخلاق التي تسمح (لطوال الشوارب) الذين باعوا كثيراً من قيمهم مقابل أن يركبوا موجة الشهرة. أو أولئك الذين ارتبكت عقولهم وهم يرجمون واحدة بحجارة بحجة الدين والأخلاق ويصفقون لأخرى لا تختلف عنها كثيراً في التصرفات لمجرد أنهم يستفيدون منها مادياً!! أو ثلة جعلوا من أمهاتهم كبيرات السن وسيلة من وسائل الجذب لمشاهدات أكثر وكسب المزيد من الأموال!
قديماً كان الذكور يعيبون على النساء بعثرة المال على ما لا يستحق وهم اليوم ينافسونهن في هذا وربما يتفوقون عليهن! هذه المخيمات الفارهة ودوار السعادة الذي لا يتوقف بما فيه من لحوم وشحوم والذي لن يعود عليهم إلا بارتفاع الكوليسترول والسكر في أجسادهم ماذا سيجنون منه!! لقد شوهت الأنوثة تماماً كما شوهت الذكورة نتيجة هذا الاستهلاك المستعر فهل من سبيل ليعلو صوت العقل والاتزان على هذه الفوضى أم ماذا؟ إن الأمر محير جداً فتارة نقول إنها مرحلة وتمر ويهدأ الناس، ولكن هذا لم يحدث بعد بل هو في ازدياد والدعوات مازالت مفتوحة للتفاهة والتمثيل والمبالغة في كل شيء.




http://www.alriyadh.com/1928951]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]