المراسل الإخباري
01-18-2022, 12:44
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
حكايات الأبواب كثيرة في حياتنا، ولكن علاقتنا بها لا يقدرها ولا يقيمها كثير من الناس، أو حتى التوقف للتفكر فيها والخروج من ذاك التوقف برؤية مختلفة، رؤية شعورية ارتبطت بالذاكرة بقوة وتركت بصمات لا تختفي..
هل أحببتم باباً من قبل؟ وهل كرهتم آخر؟ وإن حصل فلماذا؟ كم باباً علقت صورته في أذهانكم؛ نوعه ولونه وربما رائحته وسبب قربه من الذاكرة؟ كم باباً حاورت وكم باباً احتضنت؟ ليس لأنه الباب بل لأنه يؤذن بفرح على عتبات الانتظار أو يجهز جيوش الخوف والترقب. كم باباً رأيت من يخرجون منه ولم يعودوا؟ وكم باباً مر من تحت زواياه شيء جديد أو طفل وليد؟ هل استمعتم إليه أو تحدثتم معه بصمت عن قرب أو بعد؟ حين كتب أحمد مطر قصيدته أحاديث الأبواب أعطاها كل حقها في التذمر لتعبر عما لم يفكر به كثير من مستخدميها. كان معنياً بها وليس بنا فلم ينصف مشاعرنا تجاهها تعلقنا بها أو بغضنا لها ترك لها حرية الحديث عن الداخل والخارج وسجل ذكرياتها واعتراضها على كل ما لم يعجبها وسمح لها أن ترفض ما تريد وتصدر علينا الأحكام.
ولم يقترب من تلك العلاقة الشعورية بيننا وبينها وبين عتباتها وعن ذاكرتنا التي تحتل الأبواب جزءا منها لا يستهان به حيث ارتبطنا بها أحببنا بعضها وكرهنا أخرى. شاركتنا أفراحنا وأحزاننا. أذكر جيداً ذلك الباب الحديدي الأسود الذي ما إن أدفعه لو كنت أول من يصل إليه حتى أشعر به يرتد لأن جدتي - رحمها الله - تقف خلفه كل مساء جمعة وهي تنتظرنا بخوف حين نتأخر في رحلتنا الأسبوعية إلى البحر، كانت ترفض الذهاب معنا ولكن قلقها علينا يدفعها للإمساك بدرفة الباب لتراقب الطريق حتى ترى سيارة والدي تقف بالباب لننزل تباعاً فتهدأ وتنتهي علاقتها المؤقتة بالباب الذي كانت تحتضنه قبل قليل وكأنها تطلب منه أن يسند طولها وصبرها في لحظات الانتظار.
الباب نفسه نظرت إليه يوماً من الرصيف المقابل وأنا أسمع صوت بكاء أمي ومن معها بعد أن أخرجونا من البيت لكي لا نرى جدتي وهي تخرج من ذاك الباب للمرة الأخيرة.
وعندما سمعت أغنية عاصي الحلاني التي يقول فيها:
غص الدرج نزلت دموع الباب
عمرك شفت شي باب عم يبكي
تذكرت تلك اللحظة جيداً ورأيت الباب الحديدي يبكي وعتباته تئن، منذ سنوات لم أمر قرب ذلك الباب في الحقيقه، ولكنه حاضر دائماً في الذاكرة، حاضر بكل المشاعر التي انتابتني أمامه أو خلفه في يوم وفاتها أو في غيره من المناسبات والأحداث العابرة بساطتها أو القوية بأثرها.
وكم شهد ذاك الباب من حكايات في الطفولة والمراهقة لنا أو لأصحاب البيوت الأخرى في الجهة المقابلة، أحد تلك الأبواب في الرصيف المقابل كان كاتم الأسرار لشابات يقفن خلفه باستمرار ويطبقن قاعدة نظرة فابتسامة فلقاء ولا شك أن هذا كله يتم بحذر وترقب قبل أن تحين عودة والدهم المتشدد مساء من دكانه. كبرنا وعرفت فيما بعد أنهن ارتبطن بالشباب الذين كانوا يتلصصون النظر إليهم ويتحدثون إليهم! ترى ما موقع ذلك الباب من ذاكرتهم اليوم؟
في طفولتي استوقفني شاب كان بالنسبة لي طويلاً جداً أنزل ظهره الطويل وكأنه يركع ليعطيني ورقة مطوية عدة طيات ثم يشير إلى باب ما كانت تقف خلفه فتاة تظهر نصف جسدها وتخفي النصف الآخر بالباب ويطلب مني أن أوصل لها هذه الورقة. أضحك كلما استرجعت هذا المقطع من الذاكرة وأنا أراني أؤدي مهمة مرسول الغرام بنشاط وانضباط، لقد أوصلت الرسالة بحماس حينها لم أكن أعي هذا الدور ولا ما وراءه، كبرت أيضاً وعرفت أن ذاك الموقف يعني حكاية غرام من خلف الباب الموارب، ما زال لون الباب وهيئة الفتاة في ذاكرتي وبودي لو أعرف كيف انتهت حكايتهما.
وأذكر باباً خشبياً أصفر اللون لجارتنا العجوز - رحمها الله - كنت أدلف من ذاك الباب طفلة في مقام فنانة تدخل ذاك البيت تستعرض كل مهاراتها في الغناء والرقص وكل ما يمت لشقاوة الأطفال بصلة أمام سكانه. كان ذلك البيت مسرحي الخاص الذي أزوره يومياً وكان الباب الأصفر يعني لي الكثير وقد جعله اللون الأصفر مميزاً حتى أني أطلقت على البيت بالكامل البيت الأصفر ولم اسمه باسم صاحبته أو أبنائها!
حكايات الأبواب كثيرة في حياتنا ولكن علاقتنا بها لا يقدرها ولا يقيمها كثير من الناس أو حتى التوقف للتفكر فيها والخروج من ذاك التوقف برؤية مختلفة، رؤية شعورية ارتبطت بالذاكرة بقوة وتركت بصمات لا تختفي.
الأبواب جزء من الذاكرة كما هي جزء من الحياة، تعني لنا كثيراً لو منحناها شيئاً من وقتنا وتأملنا دورها وأثرها في مشاعرنا بعضها نبتسم له وبعضها نشيح بوجوهنا عنه وإن لم تلفظه الذاكره.
غنت فيروز:
فيه باب غرقان بريحة الياسمين
وفيه باب مشتاق
وفيه باب حزين
هالأرض كلها بيوت
يارب خليها مزينة ببواب
ولا يحزن ولا بيت
ولا يتسكر ولا باب..
http://www.alriyadh.com/1930091]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
حكايات الأبواب كثيرة في حياتنا، ولكن علاقتنا بها لا يقدرها ولا يقيمها كثير من الناس، أو حتى التوقف للتفكر فيها والخروج من ذاك التوقف برؤية مختلفة، رؤية شعورية ارتبطت بالذاكرة بقوة وتركت بصمات لا تختفي..
هل أحببتم باباً من قبل؟ وهل كرهتم آخر؟ وإن حصل فلماذا؟ كم باباً علقت صورته في أذهانكم؛ نوعه ولونه وربما رائحته وسبب قربه من الذاكرة؟ كم باباً حاورت وكم باباً احتضنت؟ ليس لأنه الباب بل لأنه يؤذن بفرح على عتبات الانتظار أو يجهز جيوش الخوف والترقب. كم باباً رأيت من يخرجون منه ولم يعودوا؟ وكم باباً مر من تحت زواياه شيء جديد أو طفل وليد؟ هل استمعتم إليه أو تحدثتم معه بصمت عن قرب أو بعد؟ حين كتب أحمد مطر قصيدته أحاديث الأبواب أعطاها كل حقها في التذمر لتعبر عما لم يفكر به كثير من مستخدميها. كان معنياً بها وليس بنا فلم ينصف مشاعرنا تجاهها تعلقنا بها أو بغضنا لها ترك لها حرية الحديث عن الداخل والخارج وسجل ذكرياتها واعتراضها على كل ما لم يعجبها وسمح لها أن ترفض ما تريد وتصدر علينا الأحكام.
ولم يقترب من تلك العلاقة الشعورية بيننا وبينها وبين عتباتها وعن ذاكرتنا التي تحتل الأبواب جزءا منها لا يستهان به حيث ارتبطنا بها أحببنا بعضها وكرهنا أخرى. شاركتنا أفراحنا وأحزاننا. أذكر جيداً ذلك الباب الحديدي الأسود الذي ما إن أدفعه لو كنت أول من يصل إليه حتى أشعر به يرتد لأن جدتي - رحمها الله - تقف خلفه كل مساء جمعة وهي تنتظرنا بخوف حين نتأخر في رحلتنا الأسبوعية إلى البحر، كانت ترفض الذهاب معنا ولكن قلقها علينا يدفعها للإمساك بدرفة الباب لتراقب الطريق حتى ترى سيارة والدي تقف بالباب لننزل تباعاً فتهدأ وتنتهي علاقتها المؤقتة بالباب الذي كانت تحتضنه قبل قليل وكأنها تطلب منه أن يسند طولها وصبرها في لحظات الانتظار.
الباب نفسه نظرت إليه يوماً من الرصيف المقابل وأنا أسمع صوت بكاء أمي ومن معها بعد أن أخرجونا من البيت لكي لا نرى جدتي وهي تخرج من ذاك الباب للمرة الأخيرة.
وعندما سمعت أغنية عاصي الحلاني التي يقول فيها:
غص الدرج نزلت دموع الباب
عمرك شفت شي باب عم يبكي
تذكرت تلك اللحظة جيداً ورأيت الباب الحديدي يبكي وعتباته تئن، منذ سنوات لم أمر قرب ذلك الباب في الحقيقه، ولكنه حاضر دائماً في الذاكرة، حاضر بكل المشاعر التي انتابتني أمامه أو خلفه في يوم وفاتها أو في غيره من المناسبات والأحداث العابرة بساطتها أو القوية بأثرها.
وكم شهد ذاك الباب من حكايات في الطفولة والمراهقة لنا أو لأصحاب البيوت الأخرى في الجهة المقابلة، أحد تلك الأبواب في الرصيف المقابل كان كاتم الأسرار لشابات يقفن خلفه باستمرار ويطبقن قاعدة نظرة فابتسامة فلقاء ولا شك أن هذا كله يتم بحذر وترقب قبل أن تحين عودة والدهم المتشدد مساء من دكانه. كبرنا وعرفت فيما بعد أنهن ارتبطن بالشباب الذين كانوا يتلصصون النظر إليهم ويتحدثون إليهم! ترى ما موقع ذلك الباب من ذاكرتهم اليوم؟
في طفولتي استوقفني شاب كان بالنسبة لي طويلاً جداً أنزل ظهره الطويل وكأنه يركع ليعطيني ورقة مطوية عدة طيات ثم يشير إلى باب ما كانت تقف خلفه فتاة تظهر نصف جسدها وتخفي النصف الآخر بالباب ويطلب مني أن أوصل لها هذه الورقة. أضحك كلما استرجعت هذا المقطع من الذاكرة وأنا أراني أؤدي مهمة مرسول الغرام بنشاط وانضباط، لقد أوصلت الرسالة بحماس حينها لم أكن أعي هذا الدور ولا ما وراءه، كبرت أيضاً وعرفت أن ذاك الموقف يعني حكاية غرام من خلف الباب الموارب، ما زال لون الباب وهيئة الفتاة في ذاكرتي وبودي لو أعرف كيف انتهت حكايتهما.
وأذكر باباً خشبياً أصفر اللون لجارتنا العجوز - رحمها الله - كنت أدلف من ذاك الباب طفلة في مقام فنانة تدخل ذاك البيت تستعرض كل مهاراتها في الغناء والرقص وكل ما يمت لشقاوة الأطفال بصلة أمام سكانه. كان ذلك البيت مسرحي الخاص الذي أزوره يومياً وكان الباب الأصفر يعني لي الكثير وقد جعله اللون الأصفر مميزاً حتى أني أطلقت على البيت بالكامل البيت الأصفر ولم اسمه باسم صاحبته أو أبنائها!
حكايات الأبواب كثيرة في حياتنا ولكن علاقتنا بها لا يقدرها ولا يقيمها كثير من الناس أو حتى التوقف للتفكر فيها والخروج من ذاك التوقف برؤية مختلفة، رؤية شعورية ارتبطت بالذاكرة بقوة وتركت بصمات لا تختفي.
الأبواب جزء من الذاكرة كما هي جزء من الحياة، تعني لنا كثيراً لو منحناها شيئاً من وقتنا وتأملنا دورها وأثرها في مشاعرنا بعضها نبتسم له وبعضها نشيح بوجوهنا عنه وإن لم تلفظه الذاكره.
غنت فيروز:
فيه باب غرقان بريحة الياسمين
وفيه باب مشتاق
وفيه باب حزين
هالأرض كلها بيوت
يارب خليها مزينة ببواب
ولا يحزن ولا بيت
ولا يتسكر ولا باب..
http://www.alriyadh.com/1930091]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]