المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المسافة الجمالية الثقافية



المراسل الإخباري
02-05-2022, 13:46
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
إن الفن وتطور الذائقة الجمالية يحتاجان إلى تربية متأنية وذات نفس طويل، ويحتاجان بشكل أكبر أن تتحول ساحات المدينة إلى دروس تربوية في الفن والتي ستنعكس من دون شك على سلوك الناس في المدينة..
يبدو أن هناك توق شديد كي يصبح مجتمعنا متذوقاً للفنون البصرية على وجه الخصوص، ويبدو أن هذا التوق بدأ يتحول إلى مجموعة من البرامج والمبادرات التي تعمل على صناعة هذه الذائقة البصرية التي طالما اُتهمنا بعدم وجودها تاريخياً لدينا. ويجب أن أقول إنني لم أتفق مع هذا الرأي في يوم، رغم مظاهر الزهد البصري العام الذي يصاحب عمارتنا التاريخية ويصاحب منتجاتنا التي كنا نستخدمها في حياتنا اليومية، إلا أن هذا الزهد أنتج ما يمكن أن نسميه البساطة التي لا يمكن تسميتها، وهي بساطة عميقة في معناها وفي تأثيرها. ويبدو لي أن التسارع في الفترة الأخيرة لصناعة بيئة ثقافية جمالية "واعية"، دفع بالأفكار أن تنتقل إلى الواقع، وأن تتحول إلى مناخ تعليمي يركز على "التجربة التي تصنع الذائقة"، فكما هو معروف أن أي تجربة جمالية لا يمكن بناؤها وتغذيتها إلا من خلال التجربة والمعايشة، وحتى يمكن أن ننقل المجتمع من مجرد مستهلك للجمال إلى منتج لهذا الجمال غير القصدي أو الذي ينتج من خلال ممارسة الحياة الطبيعية العفوية، يفترض أن يكون الذهن الجمالي المجتمعي قد تشرب الثقافة الجمالية وأصبحت جزءاً من بنية التصور لديه.
خلال الأيام القليلة الفائتة كان لي عدد من اللقاءات والمشاركات جميعها تصب في خانة الثقافة الجمالية، ولعلي أبدأ بآخر هذه المشاركات وهي اللقاء مع الزملاء في مبادرة "الرياض آرت"، وهي واحدة من أربع مبادرات سوف تغير وجه الرياض خلال العقد المقبل. في الرياض آرت هناك 10 برامج جميعها تهتم بصناعة الفن على المستوى الحضري، أي في الفضاءات الخارجية للمدينة، إذا ما استثنينا برنامجاً واحداً يهتم بتوظيف الفن لتعزيز الهوية البصرية لمحطات المترو وإعطاء كل محطة بصمة جمالية خاصة بها، لن أتحدث عن تفاصيل هذه المبادرة الكبيرة التي تحوي كذلك حدثين مهمين أحدهما "نور الرياض" والآخر ملتقى طويق للنحت، فهدف هذه المبادرة ليس تجميل المدينة فقط بل تغير إلى كيف يفكر وكيف ينظر المجتمع للفنون البصرية، وكيف يمكن تنمية الذائقة الجمالية، وكيف يمكن تخزينها في البنية الذهنية المجتمعية كي يعيد إنتاجها في سلوكه اليومي. أذكر وأنا صغير كنت أستغرب من تسمية مادة الرسم "تربية فنية"، وفي الواقع أن الفن وتطور الذائقة الجمالية يحتاجان إلى تربية متأنية وذات نفس طويل، ويحتاجان بشكل أكبر أن تتحول ساحات المدينة إلى دروس تربوية في الفن والتي ستنعكس من دون شك على سلوك الناس في المدينة.
قبل لقائي مع الزملاء في الرياض آرت، كنت في برنامج جودة الحياة لنطلق الموسم الرابع من مسابقة مجسم وطن، وهي إحدى مبادرات الفوزان لخدمة المجتمع، مفهوم تحسين المشهد البصري للمدينة السعودية يمثل إحدى أولويات هذه المسابقة، ليس لتجميل ساحات المدن وميادينها فقط بل لتعليم الناس كي يكون لديهم تفضيلاتهم الجمالية، وأن يعملوا على ترجمة هذه التفضيلات إلى أعمال راقية وعميقة، ولأن المسابقة تركز على المبدعين السعوديين الشباب، فقد كان هذا سبباً مهماً في إعادة ارتباط الجيل الشاب مع المكان، فأي عمل جمالي لا ينشأ من المكان ويولد من خصوصيته، لا يكون له جذور عميقة. تركز المسابقة على بناء الشراكات بين المبدعين الشباب وتحث على التكامل، وتسلط الضوء على الكيفية التي يمكن بها هؤلاء الشباب تخطي الحدود لتقديم أفكارهم في قوالب إبداعية سيتم تنفيذها وتقديمها كل عام في اليوم الوطني. عندما سمعت حديث المعماري مسعود الزنيفير -يسكن في الرياض- الذي فاز بالمسابقة قبل عام مع زميلتين له من المنطقة الشرقية، وتم تحويل تصميمهم إلى مجسم عنان السماء في مدينة الخبر، ومشاعر الفخر التي كان يشعر بها وهو يرى مشروعه يتجسد على أرض الواقع، قلت في نفسي هذا ما نريد أن نحققه، نريد بناء هذه العلاقة التجريبية بين الشباب وبين مخزونهم الثقافي وبين الأمكنة التي يعيشونها.
وأخيراً يمكن أن أعرج على المعهد الملكي للفنون، وهو خطوة تعليمية كبيرة تمثل تحولاً كبيراً في الثقافة التربوية الجمالية في المملكة، المعهد يسعى إلى صناعة بيئة تعليمية وثقافية مبنية على التدريب والتجربة، لكنه في الوقت نفسه يعمل على خلق مجالات فنية قادرة على المساهمة في الاقتصاد الوطني، ويبدو أن ربط "الفن" بالاقتصاد مسألة غير واضحة كثيراً ولكن في واقع الأمر أن "المصنعات" والمنتجات الفنية تمثل سوقاً اقتصادياً ضخماً، وهذا السوق يتخطى الاقتصاد إلى المساهمة في تحقيق القوة الثقافية الناعمة التي تستطيع أن تُوصل ثقافة أي مجتمع وتراثه من دون ضجيج.




http://www.alriyadh.com/1933391]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]