المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : احتجاج الغربان



المراسل الإخباري
02-09-2022, 02:43
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
العصافير تزقزق أول الصباح وفي أول المساء والديك يصيح في الفجر غالباً وفي أوقات أخرى أحياناً فلماذا يستمر صراخ هذا الطائر المزعج طوال اليوم؟ راقبته في فترة ما فرأيت أنه عندما ينتقل من غصن لآخر على الشجرة نفسها ينعق بقوة حتى أوشكت أن أسأله ماذا تريد؟!..
هل لاحظتم انتشار الغربان في السنوات القليلة الماضية؟ لا أدري هل هي منتشرة في كل المناطق أو واحدة دون أخرى؟ أسمعه أحياناً كخلفية إجبارية عند بعض مشاهير سناب شات في دول عربية أخرى، وهو كثير جداً في المنطقة التي أسكن فيها ونعيقه مزعج للغاية لأنه مرتفع جداً يشبه الصراخ وهو ينعق في كل الأوقات وأظنه يختلف في هذا عن باقي الحيوانات من الطيور أو غيرها لأنها لا تصدر أصواتها طوال الوقت، فالعصافير تزقزق أول الصباح وفي أول المساء والديك يصيح في الفجر غالباً وفي أوقات أخرى أحياناً فلماذا يستمر صراخ هذا الطائر المزعج طوال اليوم؟ راقبته في فترة ما فرأيت أنه عندما ينتقل من غصن لآخر على الشجرة نفسها ينعق بقوة حتى أوشكت أن أسأله ماذا تريد؟! لقد كان العرب قديماً يتشاءمون من صوته ومن لونه ومن حضوره فقيل:
إذا كان الغراب دليل قوم
فلا فلحوا ولا فلح الغرابُ
وعابوا فيه حتى مشته:
إن الغراب وكان يمشي مشية
في ما مضى من سالف الأجيالِ
حسد القطاة ورام يمشي مشيها
فأصابه ضرب من العُقّال
فأضلّ مشيته وأخطأ مشيها
فلذاك سمَّوه أبا المِرقال
ولكنهم لم يقولوا شيئاً كثيراً عن ازعاجه المستمر فهل كان مهذباً حينها لأن الناس في ذلك الوقت كانوا أكثر هدوءاً وانشغالاً بتفاصيل يومهم فللأحاديث أوقاتها وليست في كل وقت كما هو حال الناس اليوم! ففي لحظة ما قلت لنفسي لعله يحاول أن يسكت بني البشر! فقد ملأت ثرثرتهم الآفاق بشكل ملحوظ وخاصة مع وسائل التواصل المختلفة التي يثرثر فيها من يثرثر وهو لا يدري إن كان هناك من يسمعه أو لا؟ يثرثرون في التلفزيون وفي الراديو طوال ساعات اليوم بلا توقف ثرثرة مباشرة وأخرى معادة وثالثة مسجلة، وعندما صارت القنوات مفتوحة طوال اليوم صار لا بد من حشوها بالكثير من الثرثرة، أأسى على حال الثرثار قديماً فقد كان واضحاً بين قومه كعلم بارز لا يخفى على أحد وهو مذموم أينما حل بخلاف الثرثار في العصر الحديث فهو موصوم عند علماء النفس بأنه مصاب بعقدة نفسية تستحثه على الثرثرة حتى لا يعطي لنفسه المجال ليتحدث مع نفسه في لحظات سكون وصمت فينشغل بغيره يحكي لهم القصص والنوادر عن الآخرين وكأنه يحمي نفسه حتى لا يتحول الحديث عنه وبعضهم يزين ثرثرته بكثير من التهريج حتى يرغب المستمع بحضوره وقد ازدادت ضراوة الثرثرة وبخاصة مع من خدمتهم التقنية في السنوات الأخيرة فكثير من الثرثارين اليوم هم من الفنانين أو مشاهير الإعلانات الذين يتابعهم ملايين من البشر رغم أن معظمهم لا يقدمون في ثرثرتهم ما يثري من يستمع لهم هذا إن خلت مما هو ضار به أو بمن يسمعه ولا يخلو الأمر من بعض الأكاذيب أيضاً لتزويق الثرثرة حتى خيل لي أن بعضهم يضع خطه للكذب فما أن يصحو من نومه حتى يقول لنفسه (أيش الكذبة اليوم) ومع هذا لم ينبذوا بل العكس تماماً مرحب بهم وبثرثرتهم في كل زمان ومكان!
وبما أن الحديث هنا عن المشاهير فهناك من يقدم مادة شيقة ومفيدة ولكنهم لا يقدمونها دائماً فلا يثرثرون في أجهزتهم طوال الوقت كما يفعل الفارغون وهل يصح لنا أن نطلق على بعض من يفيدنا بأنه ثرثار أم نقول: إنه مثري؟ فهناك فئة منهم يقدمون مادة جيدة ولكن الإعلان والتجارة بما يقدمون حولتهم إلى ثرثارين فهم يطلون علينا كل يوم ويقدمون خطوطاً عريضة لأفكارهم ودروسهم ثم يعلنون عن دورة ما أو درس ما! من حقهم، ولكن هذا يتطلب منهم مادة كلامية مستمرة فهل يحق لنا أن نسميها ثرثرة؟ أحسب أن البشر كرهوا الغراب كرهاً متوارثاً لأنه كشف لهم سوء عملهم عندما قتل الأخ أخاه (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ في الأرضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءة أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءة أَخي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّـادِمِينَ) فصار يخيفهم مروره بهم ولونه الفاحم يذكرهم بسواد النيات والأفكار، وأحسب أيضاً أن الغراب يعرف كرههم له فاستمر في إزعاجهم منذ أن علمهم ذلك الدرس القاسي. الغراب يحتج لا أكثر.




http://www.alriyadh.com/1933918]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]