تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حين يكون الأدب ملاذاً



المراسل الإخباري
02-26-2022, 05:01
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png في برنامجه الأدبي الرّاقي "المكتبة الكبيرة" قدّم فرانسوا بيسنال هدية لضيفه الممثل المثقف جيرار ديبارديو، واصفاً إياها بـ"التحفة الصغيرة"، وهي رواية "أفغاني في باريس" للكاتب الأفغاني محمود نسيمي، وبعد مقتطف قصير يروي فيه نسيمي "عبوره للجحيم" عندما غادر بلاده العام 2013، قائلاً: "استقبلتني فرنسا بحضن من المعاناة والألم"، هو الذي ترك خلفه بيتاً وعائلة وحياة بأكملها، ليجد نفسه في باريس من دون مأوى، متسخاً، جائعاً، ضائعاً، إلى أن قادته قدماه بالصدفة إلى مقبرة بيار لاشيز حيث أصبح لديه "أصدقاء أموات أكثر من الأحياء" حسب قوله.
وقد وصف وقفته أمام قبر بلزاك بالوقفة القدرية التي غيرت حياته إلى الأبد: "اعتقدت أن صاحب التمثال قائد عسكري، وحين بحثت في غوغل وجدت أنه كاتب عظيم من كتاب فرنسا"، وهكذا بدأت رحلته نحو ملاذ جديد هو الأدب، انتسب إلى جمعية تعلّم اللغة الفرنسية، وقرّر أن يصبح كاتباً.
السخرية التي وُوجِه بها حين أخبر بعض المقربين منه بقراره ذاك لم يكن أحد ليفهمها كون الأدب "قلب حياته رأساً على عقب" حسب قوله، وحده عرف أن مغامرته العجيبة تلك -والتي دامت 730 يوماً منذ عبر الحدود الأفغانية، إلى إيران أولاً، ثم تركيا، ثم اليونان تلتها سبع دول أوروبية بعد الإبحار في قارب صيد عبر البحر الأبيض المتوسط رأى فيها الموت المحقق- ستنتهي بخلاص ما حتى وإن كان ذلك الخلاص هو الموت.
لم يكتفِ نسيمي بتعلّم اللغة الفرنسية لتسهل حياته في باريس، بل تعلّم كيف يكتب، بعد تذوّق النصوص الأدبية الفرنسية التي تمثِّل جزءاً مهمّاً من سمعة فرنسا المتميزة ثقافياً بتنوع فنونها.
ديبارديو في ذلك الحوار الذكي لم يتردّد في "تلطيش" بيسنال الذي يميل لليمين الفرنسي بقوله: "كيف يمكننا أن نرفض هؤلاء المهاجرين في بلادنا، كيف نتجرّأ على رميهم بكل بساطة؟" بعد أن تحدّث مطوّلاً عن عشقه لأدب مارغريت دوراس، وأدباء آخرين ختمهم بإعجابه بكتاب السينغالي محمد مبوغار سار (جائزة غونكور 2021) الذي عبّر في أكثر من لقاء إعلامي عن عشقه للغة الفرنسية.
هل يمكن أن يُواجهَ هذا الحبُّ بالنُّكران؟ لقد أثبتت العواصم الأكثر جمالاً في العالم أنّ تميزها مرتبط مباشرة بقدرتها على حب الآخر المختلف، نصغي إلى ديبارديو الذي يدهشنا في حواراته دائماً، ونتمنى لو أن حديثه يستمر إلى ما لا نهاية. هذا المفرط في ثرائه الأدبي والثقافي والإنساني، يعرّفنا بنفسه كقارئ نهم، كمتأمّل، كمفكّر له فلسفته، كمكتشف مستمر لذاته، كتجريبي فريد من نوعه، يذهب في كل تجربة يعيشها إلى الأقاصي... نجم لم تفسد النجومية ذائقته الأدبية، وقد فكرت في حجم الفرحة التي منحها لكل من مبوغار سار، ونسيمي ولكل من هاجر إلى الأدب كملاذ.




http://www.alriyadh.com/1937170]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]