المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأزمات وإعادة رسم خارطة التحالفات الدولية



المراسل الإخباري
03-02-2022, 03:46
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
الصراع المُسلح القائم في القارة الأوروبية ليس إلا مرحلة من مراحل إعادة رسم خارطة التحالفات -الأحلاف- الدولية التي خُطِط لها على مدى العشرين عاماً الماضية لضمان تثبيت الهيمنة والسيطرة العالمية، ولمنع صعود قوى دولية تعيد تشكيل البنيان الدولي القائم مُنذُ ثلاثة عقود ماضية...
حراك متسارع تشهده السياسة الدولية -في وقتنا الحاضر- سيؤثر تأثيراً مباشراً في شكل وطبيعة وبناء التحالفات -الأحلاف- الإقليمية والدولية على المديين المتوسط والبعيد. هذا الحراك المُتسارع ساحته مناطق الصراعات والحروب والأزمات الدولية المركبة والمعقدة، وأسبابه السعي للهيمنة الدولية والعالمية من خلال احتكار أدوات القوة والسيطرة على مكوناتها ومقدرات الأمم والشعوب الأخرى، ومحركاته الدول الرئيسية والكبرى القادرة على تجاوز الأزمات وتوظيف الصراعات لتحقيق تطلعاتها السياسية العليا، وأدواته الدول التابعة سياسياً أو الدول المتوسطة والصغرى المنضوية تحت لواء الأحلاف التابعة للدول الكبرى. فإذا تم إدراك هذه الأبعاد الرئيسية للسياسة الدولية وأهدافها الرئيسية وغاياتها النهائية، فإنه يسهل بعد ذلك التنبؤ بمسار السياسة العالمية وطبيعة التحالفات الدولية التي ستتشكل في المستقبل.
وإذا نظرنا إلى واقع السياسة الدولية -في وقتنا الحاضر- وما تشهده من حراك سياسي متقدم جداً بين القوى الدولية الرئيسية، وما نشاهده من أزمات مركبة، ونزاعات وصراعات عسكرية دامية خاصة في القارة الأوروبية، فإننا نجد أنفسنا أمام حالة سياسية معقدة وصعبة ستكون لها تبعات -ليس فقط على القارة الأوروبية- وإنما على جميع أطراف المجتمع الدولي نتيجة للمكانة الدولية والعالمية المتقدمة لأطراف النزاع والصراع، بالإضافة للمكانة الاقتصادية والصناعية والتقنية والتكنولوجية المتميزة للدول المتصارعة فيما بينها. نعم، إن الأزمة السياسية والصراع المسلح القائم في القارة الأوروبية -فبراير 2022م- سيؤثر تأثيراً مباشراً على شكل وطبيعة التحالفات الدولية في المستقبل القريب والمتوسط خاصة وأن أطراف الصراع المسلح-بشكل مباشر أو غير مباشر قوى كبرى قادرة على التأثير في مجريات السياسة الدولية والاقتصاد العالمي.
وبما أن هذه القوى العالمية المتصارعة تسعى للانتصار في الحرب بأي طريقة كانت، وتعمل لخدمة مصالحها العليا بغض النظر عن مصالح الآخرين، فإن كلاً من هذه القوى العالمية المتصارعة تنتظر من حلفائها وأصدقائها موقفاً سياسياً مؤيداً، وتأييداً دبلوماسياً مباشراً، ودعماً لوجستياً أو استراتيجياً يساهم في تحقيق الانتصار المنشود. نعم، إن هذه القوى العالمية المتصارعة في مرحلة انتظار وترقب لمعرفة المواقف السياسية لحلفائها وأصدقائها، وإن كانوا حقاً حلفاء وأصدقاء في أوقات الأزمات والصراعات، كما هم حلفاء وأصدقاء في أوقات السلم والمنافع الاقتصادية والتجارية. إن مرحلة الانتظار والترقب هذه -أو مرحلة فرز المواقف الدولية من الصراع القائم- تعتبر مرحلة غاية في الأهمية بالنسبة للقوى العالمية المُتصارعة لتحدد من هم حلفاؤها وأصدقاؤها، ومن هم غير ذلك؛ ومرحلة غاية في الحساسية بالنسبة للدول الأخرى أياً كان موقعها الجغرافي، أو أياً كانت مكانتها السياسية في النظام الدولي، لأنها تجبرهم على الاختيار الأحادي والانحياز لطرف ضد الطرف الآخر – حيث لا يُقبل منها الحياد ولا المواقف الضبابية بين اليمين واليسار.
نعم، إن الأزمة السياسية والصراع المسلح بين القوى الدولية والعالمية -في وقتنا الحاضر- في القارة الأوروبية سيعيد رسم خارطة التحالفات -الأحلاف- الدولية بناءً على المواقف السياسية المُعلنة للدول، والمواقف الاقتصادية واللوجستية والاستراتيجية لأطراف المجتمع الدولي، حيث لا حياد ولا وسطية في المواقف السياسية، فإما تأييد كامل ومباشر -لأي طرفٍ- لتثبت الدول عمق علاقاتها وصدق تحالفاتها، وإما صمت أو حياد يؤدي لخسارة تاريخية لجميع أطراف الصراع. وبناءً على هذه المعطيات التي ستفرزها المواقف السياسية للدول، ستعمل القوى الدولية المتصارعة في القارة الأوروبية -سواء المشتركة بشكل مباشر أو غير مباشر- على إعادة تعريف حلفائها وأصدقائها حيث ترتفع مكانة الحلفاء والأصدقاء التقليدين أصحاب المواقف الجلية، وستبدأ مرحلة جديدة للدول المؤيدة حديثاً ليتحصلوا على منافع جديدة ومكانة سياسية متميزة في المستقبل. أما من اتخذ من الدول الحياد السياسي موقفاً، فإنها -طبقاً لرؤية تلك القوى العالمية- ستفقد مكانتها وامتيازاتها ومنافعها في التحالفات الدولية، ولن تكون مقبولة مستقبلاً من القوى الدولية والعالمية، حتى وإن استمرت شكلاً وصورة واسماً ضمن إطار التحالفات. وإذا كانت المواقف السياسية المُعلنة تعزز مواقف الدول في التحالفات -الأحلاف- الدولية الكبيرة، فإن الذي يجب التنبه له هو الكيفية التي ستكون عليها هذه التحالفات الدولية بعد نهاية الصراع المسلح. فالطرف المُنتصر في الصراع المسلح ستتعزز مكانته العالمية سياسياً واستراتيجياً، وستتضاعف قدراته وإمكاناته الاقتصادية والصناعية، وستزداد سيطرته التقنية والتكنولوجية على المجتمع الدولي، وسيتحصل حلفاؤه وأصدقؤئه على منافع كبيرة ومتعددة ومتنوعة نتيجة تأييدهم المعلن ودعمهم المباشر. أما الطرف الخاسر في الصراع المسلح فستتراجع مكانته العالمية سياسياً واستراتيجياً، وستتراجع قدراته وإمكاناته الاقتصادية والصناعية، وسيواجه صعوبات تقنية وتكنولوجية متقدمة، وستتضاعف خسائر حلفائه وأصدقائه على جميع المستويات وفي كل المجالات نتيجة تأييدهم المُعلن ودعمهم المباشر. هكذا هي السياسة الدولية وتعاملاتها المُعقدة والمُركبة والصعبة حيث الدقة في الحسابات، والمعرفة الدقيقة بالقدرات والإمكانات، والفهم العميق بالإيديولوجيات والقيم والمبادئ، تساهم مساهمة مباشرة في اتخاذ المواقف السياسية التي تعزز الإيجابيات وتقلل أو تتفادى الخسائر. وفي الختام من الأهمية القول بأن الصراع المُسلح القائم في القارة الأوروبية ليس إلا مرحلة من مراحل إعادة رسم خارطة التحالفات -الأحلاف- الدولية التي خُطِط لها على مدى العشرين عاماً الماضية لضمان تثبيت الهيمنة والسيطرة العالمية، ولمنع صعود قوى دولية تعيد تشكيل البنيان الدولي القائم مُنذُ ثلاثة عقود ماضية. نعم، إنها مرحلة حساسة جداً لأطراف المجتمع الدولي حيث يصعب اتخاذ مواقف سياسية مؤيدة أو معارضة، إلا أنه هكذا هي طبيعة السياسة الدولية مُعقدة ومركبة ومتشابكة، فبقدر المميزات والمنافع والامتيازات التي يمكن تحصيلها إن استقامت الحسابات، بقدر الخسائر والسلبيات التي يمكن أن تحدث إن ساءت الحسابات.




http://www.alriyadh.com/1937888]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]