المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الزمان القديم يسلم مفاتيحه



المراسل الإخباري
03-06-2022, 20:23
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png عند النظر في الفكر الذي استقبلت به الطباعة باعتبارها تقنية جديدة في الدولة العثمانية وأوروبا سنجد مفارقات تستحق الوقوف عندها، ففي الدولة العثمانية استقبلت الطباعة رسميا بالرفض، أما في أوروبا فقد حظيت بالقبول. والفرق بين الموقفين يثير الاهتمام، ففي الدولة العثمانية كان الموقف الرسمي هو الذي في الواجهة، أما في أوروبا فلم يكن للكنيسة أو الدولة أي موقف يذكر. الموقف الأول يعبر عن تدبر وعناية خاصة، أما الموقف الآخر فيمثل غفلة أو لامبالاة.
الحرص الذي عبر عنه موقف الدولة العثمانية أتى بنتائج عكسية، وإن كان من المبالغة أن يعلق التراجع العلمي باعتباره نتيجة لتأخر دخول مطبعة غتنبرغ، إنما كان موقف الرفض نفسه دلالة على نمط فكري انسحب على مناحٍ شتى في الدولة. إن كان موقف الدولة العثمانية يعبر عن وعي بالآثار المترتبة من انتشار الطباعة، فالموقف في أوروبا عكس ذلك تماما، فلم تكن القوى المؤثرة على وعي كاف ما لانتشار مطبعة غتنبرغ من آثار عميقة على المجتمع والاقتصاد، وقعت الدولة العثمانية ضحية للمعرفة، وجنت أوروبا حسنات الجهل.
كان العالم الإسلامي في مرحلة من النضج المعرفي والصناعي شكلت حاجزا مانعا للابتكار، فمن أجل أن يُقبل الابتكار الجديد، كان على الصناعة القديمة أن تسلم أدواتها وتتنازل عن ممتلكاتها لتبدأ من جديد، ولا يخفى التحول الكبير الذي يتطلبه استبدال صناعة جديدة بصناعة قديمة، اقتصاديا أو معرفيا، ولعل الموقف العثماني من الصناعة الجديدة مزيج بين المعرفة والجهل، معرفة بالقديم وجهل بالجديد، وضعف في فهم حركة التاريخ. في المقابل، كانت أوروبا خالية من أي قديم، فليس لديها من صناعة تذكر، ولا إرث يستحق المحافظة عليه، كانت أوروبا بانتظار نهاية العالم، فقد استقر في ذهن الكنيسة أن العالم سينتهي بنزول المسيح عليه السلام، وأن عودته لن تطول، كانت أوروبا مزيجا كذلك بين المعرفة والجهل، لكنه جهل بالقديم مع معرفة تتفتح بالجديد.
مطبعة غتنبرغ مثال للابتكار الذي يمتلك قوة كامنة لتغيير العالم، وكغيره من الأمثلة، يمر الابتكار على كثير من الناس والمؤسسات، فينقسمون بين رفض وقبول، وفي الابتكار خصوصا، لطالما تحولت المعرفة إلى نقمة والجهل إلى نعمة. ففي المؤسسات ذات الإرث الكبير والتجربة العميقة، تتحول التجارب السابقة إلى عبء كبير يمنعها من رؤية المستقبل. من أجل ذلك، كان الموقف من التاريخ مختلفا في حالة الدولة العثمانية التي كانت تحاول المحافظة على المكتسبات مستندة إلى تاريخ عريق، وأوروبا التي ليس لديها مكتسبات لتحافظ عليها مع موقف رسمي سلبي من المستقبل يجعلها لا تبالي كثيرا بالمآلات، ولوجود هذا التباين الشديد، تتضح لنا حركة التاريخ التي تدور بين الوجود والعدم، والقوة والضعف، والجدة والقدم، حيث الزمان القديم يسلم مفاتيحه للزمان الجديد.




http://www.alriyadh.com/1938538]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]