المراسل الإخباري
03-12-2022, 23:54
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png تشير كلمتا (العدول)، و(الانزياح) في العرف اللغوي إلى معاني الابتعاد، والانتقال، والتغيير، وعدم الثبات على مكان معيّن، أو شيء محدد، أو رأي ما؛ لهذا يقال: «عدل فلان عن رأيه» إذا غيّره، وانتقل إلى رأي آخر، ويقال مثلاً: «انزاح الستار أو أُزيح» إذا ابتعد، وانتقل، وتغير عن مكانه فانكشف، وقد جاء في (القاموس المحيط): «عَدلَ عنه يَعدِلُ عَدلاً وعُدولاً: حاد، وإليه عدولاً: رَجَع»، كما جاء في هذا المعجم اللغوي في دلالات كلمة (نزح): «نَزَح نُزوحاً: بَعُد»، ونستطيع من خلال هاتين الكلمتين أن ندرك معناهما الجلي في كونهما تشيران إلى التغيير من شيء إلى شيء، أو الابتعاد عن أمر إلى غيره، ومن هنا اشتقتا للكشف عن ملمح أدبي نقدي عُرف بظاهرة العدول والانزياح.
ولقد استعمل بعض القدماء هذا المعنى من التغيّر، فأشار أبو هلال العسكري مثلاً (395هـ) في كتابه (الفروق اللغوية) إلى كلمة (العدول) في قوله: «وإذا كان العدول على المبالغة، كلما كان أشد عدولاً كان أشد مبالغة»، ومن خلال هذه العبارة لأبي هلال العسكري يمكن أن نتوسع قليلاً في مفهوم (العدول والانزياح) في طرح بعض الأمثلة التطبيقية، فلو قلنا مثلاً: «فلان كريم» كان هذا كلاماً عادياً، وحين نقول: «فلانٌ كثير الرماد» فإننا ننزاح بعبارة الكرم العادية إلى عبارة أكثر مبالغة لغرض التأثير، والإقناع، ومثله لو قلنا في وقتنا الحاضر: «فلانٌ أبوابه مفتوحة» دلالة على كرمه، واستقباله الضيوف، فإن العدول قد يكون أكثر مبالغة، ومثل ذلك في الشجاعة إذا قلنا: «محمد شجاع»، ثم عدلنا عن هذا المعنى العادي إلى معنى أكثر مبالغة وقلنا: «محمد أسدٌ أو ليثٌ» أو ما شابه ذلك.
وربما كان هذا الأمر في مسألة (العدول والانزياح) معروفاً، غير أن الذي يمكن أن نضيفه هنا -استئناساً بعبارة أبي هلال العسكري- أن العدول والانزياح يخضعان لمقاييس متصاعدة، يمكن أن نشبّههما بقوة محرك السيارة (4 سلندر - 6 - 8 - 12)، وذلك أننا كلما زدنا في المبالغة تضاعفت قوة العدول والانزياح، فعندما نقول: «غربت الشمسُ»، فهي عبارة عادية وإن كان فيها شيء من العدول الاستعاري، لكننا حين نقول: «غابت الشمس أو رحلت» يكون الأمر أكثر تشخيصاً، ومن ثم يكون الانزياح واضحاً بدرجة أرفع، لكننا حين نقول مثلاً: «سقطت الشمسُ في الأفق، أو لوّحت» فإن درجة العدول تعلو، وحين يقول ابن الرومي: «وودّعت الدنيا لتقضي نحبها / وشوّل باقي عمرها فتشعشا» تكون درجة العدول والانزياح أعلى، وهكذا في كل وصفٍ ننزاح فيه من المعنى العادي، ونعدل من خلاله إلى معنى أكثر جمالية وشعرية.
ومثل ذلك قول القائل: «في المساء»، فهو كلام عادي، بينما قولنا: «جاءنا الليل، أو زارنا الليل» هنا نكون أمام عدول وانزياح من الدرجة الأولى مثلاً، وعندما ننظر في قول النابغة الذبياني: «فإنك كالليل الذي هو مدركي» تكون درجة العدول والانزياح من الدرجة الثانية مثلاً، وكذا عندما نتأمل قول امرئ القيس: «وليل كموج البحر أرخى سدوله»، تكون درجة العدول والانزياح من الدرجة الثالثة مثلاً، وهكذا، فكلما زادت صورة الوصف بالتشبيه، أو الاستعارة، أو الكناية، أو المجاز ارتفعت درجة العدول وقوة الانزياح بحسب شعريتها، وما تلك الوسائل البيانية إلا وقود وطاقة تعلو بهما الدرجة وتنخفض.
http://www.alriyadh.com/1939723]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
ولقد استعمل بعض القدماء هذا المعنى من التغيّر، فأشار أبو هلال العسكري مثلاً (395هـ) في كتابه (الفروق اللغوية) إلى كلمة (العدول) في قوله: «وإذا كان العدول على المبالغة، كلما كان أشد عدولاً كان أشد مبالغة»، ومن خلال هذه العبارة لأبي هلال العسكري يمكن أن نتوسع قليلاً في مفهوم (العدول والانزياح) في طرح بعض الأمثلة التطبيقية، فلو قلنا مثلاً: «فلان كريم» كان هذا كلاماً عادياً، وحين نقول: «فلانٌ كثير الرماد» فإننا ننزاح بعبارة الكرم العادية إلى عبارة أكثر مبالغة لغرض التأثير، والإقناع، ومثله لو قلنا في وقتنا الحاضر: «فلانٌ أبوابه مفتوحة» دلالة على كرمه، واستقباله الضيوف، فإن العدول قد يكون أكثر مبالغة، ومثل ذلك في الشجاعة إذا قلنا: «محمد شجاع»، ثم عدلنا عن هذا المعنى العادي إلى معنى أكثر مبالغة وقلنا: «محمد أسدٌ أو ليثٌ» أو ما شابه ذلك.
وربما كان هذا الأمر في مسألة (العدول والانزياح) معروفاً، غير أن الذي يمكن أن نضيفه هنا -استئناساً بعبارة أبي هلال العسكري- أن العدول والانزياح يخضعان لمقاييس متصاعدة، يمكن أن نشبّههما بقوة محرك السيارة (4 سلندر - 6 - 8 - 12)، وذلك أننا كلما زدنا في المبالغة تضاعفت قوة العدول والانزياح، فعندما نقول: «غربت الشمسُ»، فهي عبارة عادية وإن كان فيها شيء من العدول الاستعاري، لكننا حين نقول: «غابت الشمس أو رحلت» يكون الأمر أكثر تشخيصاً، ومن ثم يكون الانزياح واضحاً بدرجة أرفع، لكننا حين نقول مثلاً: «سقطت الشمسُ في الأفق، أو لوّحت» فإن درجة العدول تعلو، وحين يقول ابن الرومي: «وودّعت الدنيا لتقضي نحبها / وشوّل باقي عمرها فتشعشا» تكون درجة العدول والانزياح أعلى، وهكذا في كل وصفٍ ننزاح فيه من المعنى العادي، ونعدل من خلاله إلى معنى أكثر جمالية وشعرية.
ومثل ذلك قول القائل: «في المساء»، فهو كلام عادي، بينما قولنا: «جاءنا الليل، أو زارنا الليل» هنا نكون أمام عدول وانزياح من الدرجة الأولى مثلاً، وعندما ننظر في قول النابغة الذبياني: «فإنك كالليل الذي هو مدركي» تكون درجة العدول والانزياح من الدرجة الثانية مثلاً، وكذا عندما نتأمل قول امرئ القيس: «وليل كموج البحر أرخى سدوله»، تكون درجة العدول والانزياح من الدرجة الثالثة مثلاً، وهكذا، فكلما زادت صورة الوصف بالتشبيه، أو الاستعارة، أو الكناية، أو المجاز ارتفعت درجة العدول وقوة الانزياح بحسب شعريتها، وما تلك الوسائل البيانية إلا وقود وطاقة تعلو بهما الدرجة وتنخفض.
http://www.alriyadh.com/1939723]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]