المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المثقف الحديث وتلازم البعد الإنساني بالبعد الثقافي



المراسل الإخباري
03-31-2022, 00:04
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
لقد رأى دوميني لابييري فقراء كركرا يتضورون جوعًا ومأساة ويأساً وبؤساً وكان قد تعلم أن أسمى ما في الحياة هو أن يضع نفسه في خدمة الآخرين ويرفع المعاناة عن كاهل الناس وهذا يعطيه إحساسًا بأن لحياته معنى حقيقياً.
إن تلازم البعد الإنساني بالبعد الثقافي يقدم أصدق الشواهد على النهج الإنساني للمثقف الحديث ويضعه في صورة الحدث الإنساني والذي يمثل روح الإنسانية في تجلياتها وأصدق صورها.
فعندما تصبح الإنسانية الخيط الناظم لحياة المثقف يكون تأثيره الإنساني حقيقةً مشاهدة وحياته فصولاً من الإنسانية تعكس أبرز الصفات الظاهرة فيه وبالذات إذا ما عكف على هذه السجية الإنسانية ولازمها منهجيًا وتفاعل معها كخيار ذاتي.
وإن كان المثقف العربي من أقل الناس مبادرة في المواقف الإنسانية وقد نستثني بعض النماذج التي عكست الوجه المشرق للمثقف العربي كالروائي نجيب محفوظ الحاصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1988م والذي تبرع بجزء من قيمة جائزته لمرضى الفشل الكلوي، وكان في أواخر حياته أوقف ربع ثروته لعلاج مرضى السرطان.
والروائي الجزائري واسيني الأعرج الذي تبرع بعوائد روايته (نساء كازانوفا) لمساعدة الأسرى الأدباء في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وقد تكون هنالك نماذج أخرى إلا أنها لا تمثل ظاهرة في الثقافة العربية على خلاف ما نقرأ في الغرب.
ففي عام 1991م نشر الروائي الفرنسي دوميني كيو لابييري روايته الباكية: (مدينة الفرح The City Of Joy) والتي دارت أحداثها في إحدى المدن الهندية (كركرا) التي يعدها النقاد من أروع ما كتب في الفن الروائي.
الرواية تمزج المأساة بالإنسان بالمدينة فهي على رأي صحيفة الواشنطن بوست أفضل ما كتب في المسلك الإنساني فقد احتلت الرواية موقعًا متقدمًا في تاريخ النشر العالمي كواحدة من أكثر الروايات التي لامست شعورًا إنسانيًا عالميًا وكانت وصفًا روائيًا صادقًا لمأساة مدينة كركرا وقد ظهرت على نسق الفن الروائي العالمي كروايات ماركينز والبرتومورافيا وإرنست همينغوي ولوشن.
ما القصة؟
إن دوميني مؤلف الرواية أخذ ما خف من أمتعته وغادر باريس إلى (كركرا) الهندية وأقام في المدينة رغم الحياة القلقة البائسة وشارك سكان المدينة حياتهم ومعاناتهم وآمالهم وتطلعاتهم وأمضى قرابة السنتين يقتات على 25 سنتًا في اليوم ثم عاد إلى فرنسا ليكتب روايته.
وفي أواخر عام 1991م نشر رواية: (مدينة الفرح The City Of Joy) في 31 لغة وقد نشرها في فرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، وهولندا، وألمانيا، وإنجلترا، والولايات المتحدة الأميركية.. وقد باع منها -في ذاك الوقت- 6 ملايين نسخة، بعد ذلك أخرج الرواية في فيلم عالمي (كالكوتا مدينة الفرح)؛ فيلم درامي فرنسي بريطاني وقد كتب سيناريو الفيلم مارك ميدوف وأخرجه رولاند جوفي. ثم أنشا مكتبًا في باريس وصار يرسل مبيعات الكتاب والفيلم إلى فقراء (كركرا)، ولم يكتف بذلك بل ساهم في رفع معاناة الفقر عن المدنية فقد شق الطرقات وأقام الأسواق والميادين والمستشفيات والمؤسسات الاجتماعية ومراكز المسنين ودور الرعاية.
دوميني يعرض في روايته تجربة مجتمع تعرض للجوع والمرض ومقاومة الظروف فهي بحق قصة النضال الإنساني ضد الفقر والقهر والبؤس واليأس والعجز والموت وبرغم أن الرواية تدور حول نظام الطبقات النظام الاجتماعي الذي كان سائدًا في الهند إلا أنها تعكس كفاح مجتمع يصارع الظروف.
لقد رأى دوميني لابييري فقراء كركرا يتضورون جوعًا ومأساة ويأساً وبؤساً وكان قد تعلم أن أسمى ما في الحياة هو أن يضع نفسه في خدمة الآخرين ويرفع المعاناة عن كاهل الناس وهذا يعطيه إحساسًا بأن لحياته معنى حقيقياً.
عند ذلك بدأ يفكر في حالة المستضعفين في المدينة وقد تبين له أن فقراء المدينة لن يجدوا الإنصاف من المجتمع وكانت هذه إحدى القضايا المهمة التي شغلت تفكيره والتي كان أثناءها يعمل جاهدًا لتحقيق خلاص مجتمع كركرا من المأساة.
وراح يسأل نفسه: بأي بديل سوف يغير مجتمع كركرا؟ وكانت فكرة كتابة رواية هي الحاضرة في ذهنه باعتباره كاتبًا روائيًا فكانت رواية: (مدينة الفرح The City Of Joy) التي غيرت وجه المدينة والمجتمع.
وصورة أخرى من صور أولئك الإنسانية جون روكيفيلر الذي أنشأ مستشفى خيريًا في بكين بالصين.
ويزخر التاريخ بأمثلة أخرى؛ ففي عام 1928م موّل بعض المفكرين الأثرياء الرحلة الاستكشافية للأدميرال بيرد إلى القطب الجنوبي.. وكان الأديب الفرنسي فيكتور هوغو يتوقع نتيجة ما قدم لفرنسا أن تسمى باريس باسمه تكريمًا له وما قدمه الشاعر شكسبير للمجتمع الإنجليزي لا يقدر بثمن. أما الكاتبة جوتا بارنز فقد قدمت مكتبتها الضخمة إلى جامعة ميرلاند في الولايات المتحدة الأميركية.
وكان عالم الرياضيات جون دي قد تبرع بمكتبته والتي تشتمل على المخطوطات النادرة لإحدى الجامعات في الغرب.




http://www.alriyadh.com/1943092]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]