المراسل الإخباري
04-01-2022, 06:40
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
لم تنتهِ هذه الحكاية التي سردتها لقارئي الكريم، بل استلهمتها في كتابة نص مسرحي عنوانه (ليلة في فرانكفورت) لمجموعة من العجائز يقبعن في كهف افتراضي يتواءم مع الحبكة الدرامية، بعد أن ضللن طريقهن في معرض فرانكفورت ولم يستطعن العودة إلى بلادهن أو حتى معرفة المكان الذي يقبعن فيه..
كانت فرانكفورت تعج بالجنسيات في معرض كتابها الكبير الذي يعد من أكبر معارض الكتاب الدولية، وكان يوم وصولي هو يوم الافتتاح، بل قبل حفل الافتتاح بقليل؛ كنت حينها أمثل وزارة التعليم العالي للمملكة العربية السعودية في ذلك المحفل الكبير الذي كانت فيه المملكة ضيف شرف.
لم أكن أتقن اللغة الألمانية فكان التعامل صعباً إلى درجة كبيرة، ولكني وضعت حقائبي في الفندق المخصص لإقامتي دون الالتفات إلى عنوانه ومكانه واسمه المهم أن أسرع مع مرافق الملحقية إلى المعرض الذي كان يبعد عن الفندق حوالي مئة كيلو!
وتم بحمد الله اللحاق بالافتتاح، ولكن وسائل الإعلام شغلتني كما شغلت الوفد السعودي عبر لقاءات ومداخلات وآراء والكلمات كما هو معهود في مثل هذه المناسبات وما إن أكملت حديثي مع إحدى القنوات وجدت أن فريقي قد ذهب وبت بمفردي في عالم لا أفقه لغته!
أخذت أتجول في الطرقات ذات البوابات الممغنطة والتي تحمل كل بوابة جنسية العابرين من خلالها. وكلما وضعت بطاقة المرور في بوابة لم يتسنَ لي العبور حتى وصلت الساعة الحادية عشرة مساء وفرغ المعرض من الرواد إلا من النزر اليسير من البشر الذي لا يتحدث سوى الألمانية بل ويرفض التحدث بغيرها!
وفي أحد الممرات سمعت مجموعة من النساء يتحدثن بالإنجليزية حينها قلت في نفسي: (يا فرج الله).
اقتربت منهم وتبادلنا التحيات وسألتهم عن مشكلتهن التي يتحدثن عنها إذ إنه يبدو عليهن أن هناك مشكلة ما! فأجبن أنهن قد أضعن مكان سيارتهن في أحد طوابق الجراج متعدد الأبنية والطوابق وكأنه حي من الأحياء الراقية البارك على مساحة كبيرة من أرض المعرض بلا منازع.
طرحت عليهن مقايضة من نوع المعاملات الأخلاقية، إذا ما وافقن عليها فسأجد لهن سيارتهن لأني أعلم الحل على طريقة الدهاء البدوي المتأصل في جيناتنا يسانده عرف عربي بدوي أخلاقي وهو الوفاء بالعهد والوعد في نهاية الأمر.
هؤلاء النسوة -القابعات في حيرة بجانب حائط لا يلوي حالهن على شيء سوى التساؤلات- وافقنني الرأي على تلك المقايضة وهي أن أجد لهن سيارتهن في مقابل أن يوصلنني إلى الفندق الذي لا أعرف عنه سوى اسمه وخاصة أن الأمطار كانت تنهمر على رؤسنا جميعاً!
وساد الاتفاق على تنفيذ المهمة. حينها طلبت منهن الانتظار لساعة في أماكنهن دون أي تساؤل ومرت ساعة كاملة ونحن جالسين دون حراك أو حتى كلام. ثم طلبت منهن أن نجول في طوابق الجراج الذي بات فارغاً من أي سيارة جراء تلك الساعة التي انقضت في صمت، فالناس جميعهم قد انصرفوا ولذلك وجدنا السيارة قابعة ظاهرة وحيدة تعلن عن نفسها، صرخ النسوة من الفرحة وركبت معهن السيارة وذهبنا، ولكن بمجرد أن خرجنا إلى الشارع أعلنَّ جميعهن في تمرد على تنفيذ طلبي وأحجموا عن تنفيذ الوعد والعهد الذي قطعنهن على أنفسهن لحظة الأزمة وطلبن مني النزول إلى عرض الشارع في منتصف ليلة ماطرة.
كنت أتصرف بأعراف الشرف القبلي، وهن لا يعرفن معنى شرف الكلمة ولا الوفاء بالوعد، فآليت على نفسي أن لا أترك مكاني في السيارة، وحينما أشتد بنا النقاش علمت أنهن إسرائيليات فأيقنت أنهن من قوم لا عهد لهم ولا وعد وأن الأساطير التي حيكت حول هؤلاء القوم بعدم الوفاء بالعهد وبالوعد كانت أمام عيني يقينا بينا لا مراء في ذلك!
حينها زاد العناد والتصميم والتهديد باللجوء إلى السفارة واستدعاء الملحقية جراء هذا الاحتيال الرخيص فما كان منهن إلا أن استأجرن لي تاكسي فهن يعرفن التحدث معه باللغة الألمانية. وبعدها خصصت لي الملحقية سيارة خاصة لتفادي مثل هذه المواقف.
هكذا هم هؤلاء القوم في عهودهم وفي وعودهم، فلا وفاء للكلمة ولا يعتبرونها نوعاً من الشرف وهذا هو سر الخلاف والأزمات المتعددة بيننا وبينهم على مستوى ما يسمونه بالسلام والتفاهم على موائد المفاوضات والتي باتت تنتشر اليوم بحثاً عن معاهدات!
لم تنتهِ هذه الحكاية التي سردتها لقارئي الكريم، بل استلهمتها في كتابة نص مسرحي عنوانه (ليلة في فرانكفورت) لمجموعة من العجائز يقبعن في كهف افتراضي يتواءم مع الحبكة الدرامية، بعد أن ضللن طريقهن في معرض فرانكفورت ولم يستطعن العودة إلى بلادهن أو حتى معرفة المكان الذي يقبعن فيه في عالم أسطوري (تيشكوفي) متراكم الأحداث كانعكاس لما نحن فيه معهم في دائرة هذا الوسم العجائزي والعجزي الذي يعكسه عجز بطلات النص عن الحراك؛ بين عهود متناقضة تراكمية ساكنة مقيتة كمقت عجز السن الذى يعيشه عالم عاجز.
http://www.alriyadh.com/1943486]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
لم تنتهِ هذه الحكاية التي سردتها لقارئي الكريم، بل استلهمتها في كتابة نص مسرحي عنوانه (ليلة في فرانكفورت) لمجموعة من العجائز يقبعن في كهف افتراضي يتواءم مع الحبكة الدرامية، بعد أن ضللن طريقهن في معرض فرانكفورت ولم يستطعن العودة إلى بلادهن أو حتى معرفة المكان الذي يقبعن فيه..
كانت فرانكفورت تعج بالجنسيات في معرض كتابها الكبير الذي يعد من أكبر معارض الكتاب الدولية، وكان يوم وصولي هو يوم الافتتاح، بل قبل حفل الافتتاح بقليل؛ كنت حينها أمثل وزارة التعليم العالي للمملكة العربية السعودية في ذلك المحفل الكبير الذي كانت فيه المملكة ضيف شرف.
لم أكن أتقن اللغة الألمانية فكان التعامل صعباً إلى درجة كبيرة، ولكني وضعت حقائبي في الفندق المخصص لإقامتي دون الالتفات إلى عنوانه ومكانه واسمه المهم أن أسرع مع مرافق الملحقية إلى المعرض الذي كان يبعد عن الفندق حوالي مئة كيلو!
وتم بحمد الله اللحاق بالافتتاح، ولكن وسائل الإعلام شغلتني كما شغلت الوفد السعودي عبر لقاءات ومداخلات وآراء والكلمات كما هو معهود في مثل هذه المناسبات وما إن أكملت حديثي مع إحدى القنوات وجدت أن فريقي قد ذهب وبت بمفردي في عالم لا أفقه لغته!
أخذت أتجول في الطرقات ذات البوابات الممغنطة والتي تحمل كل بوابة جنسية العابرين من خلالها. وكلما وضعت بطاقة المرور في بوابة لم يتسنَ لي العبور حتى وصلت الساعة الحادية عشرة مساء وفرغ المعرض من الرواد إلا من النزر اليسير من البشر الذي لا يتحدث سوى الألمانية بل ويرفض التحدث بغيرها!
وفي أحد الممرات سمعت مجموعة من النساء يتحدثن بالإنجليزية حينها قلت في نفسي: (يا فرج الله).
اقتربت منهم وتبادلنا التحيات وسألتهم عن مشكلتهن التي يتحدثن عنها إذ إنه يبدو عليهن أن هناك مشكلة ما! فأجبن أنهن قد أضعن مكان سيارتهن في أحد طوابق الجراج متعدد الأبنية والطوابق وكأنه حي من الأحياء الراقية البارك على مساحة كبيرة من أرض المعرض بلا منازع.
طرحت عليهن مقايضة من نوع المعاملات الأخلاقية، إذا ما وافقن عليها فسأجد لهن سيارتهن لأني أعلم الحل على طريقة الدهاء البدوي المتأصل في جيناتنا يسانده عرف عربي بدوي أخلاقي وهو الوفاء بالعهد والوعد في نهاية الأمر.
هؤلاء النسوة -القابعات في حيرة بجانب حائط لا يلوي حالهن على شيء سوى التساؤلات- وافقنني الرأي على تلك المقايضة وهي أن أجد لهن سيارتهن في مقابل أن يوصلنني إلى الفندق الذي لا أعرف عنه سوى اسمه وخاصة أن الأمطار كانت تنهمر على رؤسنا جميعاً!
وساد الاتفاق على تنفيذ المهمة. حينها طلبت منهن الانتظار لساعة في أماكنهن دون أي تساؤل ومرت ساعة كاملة ونحن جالسين دون حراك أو حتى كلام. ثم طلبت منهن أن نجول في طوابق الجراج الذي بات فارغاً من أي سيارة جراء تلك الساعة التي انقضت في صمت، فالناس جميعهم قد انصرفوا ولذلك وجدنا السيارة قابعة ظاهرة وحيدة تعلن عن نفسها، صرخ النسوة من الفرحة وركبت معهن السيارة وذهبنا، ولكن بمجرد أن خرجنا إلى الشارع أعلنَّ جميعهن في تمرد على تنفيذ طلبي وأحجموا عن تنفيذ الوعد والعهد الذي قطعنهن على أنفسهن لحظة الأزمة وطلبن مني النزول إلى عرض الشارع في منتصف ليلة ماطرة.
كنت أتصرف بأعراف الشرف القبلي، وهن لا يعرفن معنى شرف الكلمة ولا الوفاء بالوعد، فآليت على نفسي أن لا أترك مكاني في السيارة، وحينما أشتد بنا النقاش علمت أنهن إسرائيليات فأيقنت أنهن من قوم لا عهد لهم ولا وعد وأن الأساطير التي حيكت حول هؤلاء القوم بعدم الوفاء بالعهد وبالوعد كانت أمام عيني يقينا بينا لا مراء في ذلك!
حينها زاد العناد والتصميم والتهديد باللجوء إلى السفارة واستدعاء الملحقية جراء هذا الاحتيال الرخيص فما كان منهن إلا أن استأجرن لي تاكسي فهن يعرفن التحدث معه باللغة الألمانية. وبعدها خصصت لي الملحقية سيارة خاصة لتفادي مثل هذه المواقف.
هكذا هم هؤلاء القوم في عهودهم وفي وعودهم، فلا وفاء للكلمة ولا يعتبرونها نوعاً من الشرف وهذا هو سر الخلاف والأزمات المتعددة بيننا وبينهم على مستوى ما يسمونه بالسلام والتفاهم على موائد المفاوضات والتي باتت تنتشر اليوم بحثاً عن معاهدات!
لم تنتهِ هذه الحكاية التي سردتها لقارئي الكريم، بل استلهمتها في كتابة نص مسرحي عنوانه (ليلة في فرانكفورت) لمجموعة من العجائز يقبعن في كهف افتراضي يتواءم مع الحبكة الدرامية، بعد أن ضللن طريقهن في معرض فرانكفورت ولم يستطعن العودة إلى بلادهن أو حتى معرفة المكان الذي يقبعن فيه في عالم أسطوري (تيشكوفي) متراكم الأحداث كانعكاس لما نحن فيه معهم في دائرة هذا الوسم العجائزي والعجزي الذي يعكسه عجز بطلات النص عن الحراك؛ بين عهود متناقضة تراكمية ساكنة مقيتة كمقت عجز السن الذى يعيشه عالم عاجز.
http://www.alriyadh.com/1943486]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]