المراسل الإخباري
04-02-2022, 14:45
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png إهداء خاص إلى كلّ المصورين الصحفيين في العالم العربي وعلى رأسهم أبي.
ترك لنا أول مصور صحفي هنري كارتييه بريسون حكمته الأبدية: "التصوير هو وضع التفكير والعين والقلب على نفس خطّ الرؤية"، قبله ربما أبهرت آلة التصوير البشرية جمعاء كابتكار يؤرّخ للحظة الإنسانية، دون إعطاء الصورة أبعادها الأكبر في صنع التاريخ. حتّى جاء بريسون ليؤسِّس لما نسميه اليوم "التصوير الفوتوغرافي الصحفي الحديث". نتحدّث هنا عن أواخر عشرينات القرن الماضي وبداية الثلاثينات.
في سبعينات القرن الماضي سأشعر بالخوف من هذه الآلة التي صوّبها أبي نحوي لأخذ صورة لي، ردّة فعلي لن تعجب أبي، صرخت وبكيت، وأردت الهروب، لكنه كما أغلب الآباء في مجتمعنا صفعني فجمدت تماماً دون التوقف عن البكاء بصمت. تُضحكنا هذه الصورة اليوم وبقربي أخي أحمد -رحمه الله- لأنّها أرّخت للحظة غريبة، يختصرها المثل القائل: "ضرب الحبيب زبيب"، إذ بعد سنوات سيصبح أبي بكاميرته نموذجاً فاتِناً يقود طموحاتي نحو الإعلام، وعالم الأدب والصورة، فقد شكّل فضاء اهتماماتنا نحن أبناءه، وحوّل بيتنا إلى ما يشبه مكتبة عمومية لأبناء الحي كله، وهذا ليس كلّ شيء، إذ في عمر مبكّر جدّاً سيتعلّق ابني بالكاميرا، وتصبح هديته المفضلة في كل مراحله الدراسية، إلى أن تخصّص في الإخراج السينمائي.
لكن رغم أهمية الصورة، والمصورين الصحفيين في العالم الغربي على الخصوص، ظلّ المصوّر الصحفي في عالمنا العربيّ المغامرُ الباذخ العطاء دون انتظار مكافأة من أحد.
عانى أبي في مراحل حياته كلها، لكنه استمتع بكاميراته، لديه أرشيف كبير في أعرق جريدة في الشرق الجزائري بالأبيض والأسود، هذا غير حقيبة الصور العجيبة في بيتنا.
امتصّت أدوية تظهير الصور صحته، سواء بسبب أدوية تظهير الصور آنذاك، أو بامتصاص وقته كون الإعلام مهنة لا دوام لها، لأنها مرتبطة بالحدث. قطع مسافات طويلة لملاحقة الأحداث، والحصول على صور استثنائية، بدءاً بالزيارات الرّسمية للرؤساء والمسؤولين، إلى المناسبات الدينية والوطنية، إلى الحوادث المأساوية والكوارث، وأفراح الكرة، والمهرجانات الفنية، إلى الكسوف والخسوف وظواهر الطبيعة.
رافقت الكاميرا أبي في السرّاء والضرّاء، وعاش أقسى لحظة حين تأخرت تسوية معاشه التقاعدي واضطرّ لبيع آخر كاميرا له، لكنّها أنقذت العائلة كلها من العوز.
في الأعياد كان أبي أكثر رجل يُفرح الأطفال، بعد تصوير صلاة العيد، يأخذ لهم أحلى الصور بأثوابهم الجديدة. كثيراً ما شبّهت فرحهم بفرح أطفال الغرب ببابا نويل.
نفهم جيداً اليوم القيمة العظيمة للمصورين، الذين كتبوا التاريخ بصدق، دون تزييف أو تدخّل من مُدوِّنيه. إيميل زولا نفسه قال: "لا يمكنك القول أنّك رأيت شيئاً ما بشكل كامل إذا لم تكن قد التقطت صورة له".
بالنسبة لأبي كانت الكاميرا زوجته الثانية، وأخانا السادس. غادرنا مؤخراً تاركاً حقيبته العجيبة الممتلئة بالفرح، وكاميرات في خزانته تشعر باليتم مثلنا.
http://www.alriyadh.com/1943626]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
ترك لنا أول مصور صحفي هنري كارتييه بريسون حكمته الأبدية: "التصوير هو وضع التفكير والعين والقلب على نفس خطّ الرؤية"، قبله ربما أبهرت آلة التصوير البشرية جمعاء كابتكار يؤرّخ للحظة الإنسانية، دون إعطاء الصورة أبعادها الأكبر في صنع التاريخ. حتّى جاء بريسون ليؤسِّس لما نسميه اليوم "التصوير الفوتوغرافي الصحفي الحديث". نتحدّث هنا عن أواخر عشرينات القرن الماضي وبداية الثلاثينات.
في سبعينات القرن الماضي سأشعر بالخوف من هذه الآلة التي صوّبها أبي نحوي لأخذ صورة لي، ردّة فعلي لن تعجب أبي، صرخت وبكيت، وأردت الهروب، لكنه كما أغلب الآباء في مجتمعنا صفعني فجمدت تماماً دون التوقف عن البكاء بصمت. تُضحكنا هذه الصورة اليوم وبقربي أخي أحمد -رحمه الله- لأنّها أرّخت للحظة غريبة، يختصرها المثل القائل: "ضرب الحبيب زبيب"، إذ بعد سنوات سيصبح أبي بكاميرته نموذجاً فاتِناً يقود طموحاتي نحو الإعلام، وعالم الأدب والصورة، فقد شكّل فضاء اهتماماتنا نحن أبناءه، وحوّل بيتنا إلى ما يشبه مكتبة عمومية لأبناء الحي كله، وهذا ليس كلّ شيء، إذ في عمر مبكّر جدّاً سيتعلّق ابني بالكاميرا، وتصبح هديته المفضلة في كل مراحله الدراسية، إلى أن تخصّص في الإخراج السينمائي.
لكن رغم أهمية الصورة، والمصورين الصحفيين في العالم الغربي على الخصوص، ظلّ المصوّر الصحفي في عالمنا العربيّ المغامرُ الباذخ العطاء دون انتظار مكافأة من أحد.
عانى أبي في مراحل حياته كلها، لكنه استمتع بكاميراته، لديه أرشيف كبير في أعرق جريدة في الشرق الجزائري بالأبيض والأسود، هذا غير حقيبة الصور العجيبة في بيتنا.
امتصّت أدوية تظهير الصور صحته، سواء بسبب أدوية تظهير الصور آنذاك، أو بامتصاص وقته كون الإعلام مهنة لا دوام لها، لأنها مرتبطة بالحدث. قطع مسافات طويلة لملاحقة الأحداث، والحصول على صور استثنائية، بدءاً بالزيارات الرّسمية للرؤساء والمسؤولين، إلى المناسبات الدينية والوطنية، إلى الحوادث المأساوية والكوارث، وأفراح الكرة، والمهرجانات الفنية، إلى الكسوف والخسوف وظواهر الطبيعة.
رافقت الكاميرا أبي في السرّاء والضرّاء، وعاش أقسى لحظة حين تأخرت تسوية معاشه التقاعدي واضطرّ لبيع آخر كاميرا له، لكنّها أنقذت العائلة كلها من العوز.
في الأعياد كان أبي أكثر رجل يُفرح الأطفال، بعد تصوير صلاة العيد، يأخذ لهم أحلى الصور بأثوابهم الجديدة. كثيراً ما شبّهت فرحهم بفرح أطفال الغرب ببابا نويل.
نفهم جيداً اليوم القيمة العظيمة للمصورين، الذين كتبوا التاريخ بصدق، دون تزييف أو تدخّل من مُدوِّنيه. إيميل زولا نفسه قال: "لا يمكنك القول أنّك رأيت شيئاً ما بشكل كامل إذا لم تكن قد التقطت صورة له".
بالنسبة لأبي كانت الكاميرا زوجته الثانية، وأخانا السادس. غادرنا مؤخراً تاركاً حقيبته العجيبة الممتلئة بالفرح، وكاميرات في خزانته تشعر باليتم مثلنا.
http://www.alriyadh.com/1943626]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]