تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الانقسامات العرقية أعظم المخاوف الأوروبية



المراسل الإخباري
04-13-2022, 18:03
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
قد تبدو المجتمعات الأوروبية الغربية وحدة واحدة ومجتمعات متماسكة، إلا أنها في حقيقة الواقع مُنقسمة على نفسها داخلياً تبعاً للمكونات العرقية واللغوية والثقافية التي تشكلها وتكونها. ففي داخل كل مجتمع من تلك المجتمعات الأوروبية الغربية عرقيات متنوعة ومتعددة ومُختلفة حيث تُؤمن كل عرقية بلغتها المستقلة، وثقافتها النوعية، وحضارتها العريقة، وإرثها التاريخي المديد..
حالة قلق وريبة سياسية كبيرة جداً تعيشها القارة الأوروبية والمجتمعات الغربية مُنذُ بدء الصراع المسلح بين روسيا وأوكرانيا في فبراير 2022م. وحالة القلق والريبة هذه سبقتها حالة ارتباك سياسية ودبلوماسية امتدت لقرابة السبعة أعوام ابتدأت مُنذُ توقيع اتفاقية "مينسك" عام 2014م بين روسيا وأوكرانيا -إلى جانب وسيطين هما فرنسا وألمانيا- بهدف وقف إطلاق النار ووقف الاشتباكات المسلحة في منطقة "دونباس" شرقي أوكرانيا بين القوات الحكومية الأوكرانية والانفصاليين في تلك المنطقة المطالبين بالاستقلال عن أوكرانيا. فإذا أخذنا في الاعتبار الاهتمام الدبلوماسي والسياسي الكبير الذي أبدته وأظهرته ألمانيا وفرنسا بأهمية وقف إطلاق النار كما تضمنته اتفاقية "مينسك" 2014م، وإذا وضعنا في الاعتبار ردة الفعل الغاضبة جداً التي أبدتها القوى الأوروبية الغربية تجاه روسيا -بعد بدء الصراع الأوروبي المسلح القائم مُنذُ فبراير 2022م- بما في ذلك تبني عقوبات متقدمة ومتعددة ومتنوعة وشبه شاملة على جمهورية روسيا الاتحادية، فإننا نتيقن بأن المسألة بالنسبة لهذه القوى الأوروبية الغربية تتعدى مسألة القلق والريبة والارتباك لمسألة أو مسائل أعظم بكثير مما يتم إعلانه أو تبنيه في الخطابات الرسمية لتلك القوى الأوروبية التي تطالب بوقف الصراع المسلح لأسباب إنسانية أولاً، ثم لأسباب أخرى منها السياسية والاقتصادية والأمنية. إذاً، فما الذي يمكن أن يُعتبر أكثر أهمية بالنسبة لتلك القوى الأوروبية الغربية من تلك الأسباب التي تُعلنها لعامة الناس؟
إن الذي يساعدنا في فهم حالة القلق والريبة والارتباك الكبيرة التي تعيشها القوى الأوروبية الغربية مُنذُ بدء الصراع الأوروبي المسلح في فبراير 2022م هو معرفة طبيعة التركيبة الاجتماعية المُكونة لتلك القوى الأوروبية الغربية في وقتنا الحاضر، بالإضافة لمعرفة التجارب التاريخية الصعبة والمعقدة التي مرت بها تلك المجتمعات الأوروبية الغربية خلال القرون الثلاثة الماضية على أقل تقدير، وفي كلتا الحالتين نحن في حاجة لنظرة موضوعية هادئة وعميقة تساعدنا في الوصول لنتيجة منطقية وعقلانية بعيدة عن الاجتهادات العاطفية.
نعم، إن الذي يُشاهَد وتَظهر عليه تلك المجتمعات الأوروبية الغربية هو حالة حقيقية من الاستقرار السياسي المتقدم، والتطور الاجتماعي المتقدم، والتنمية الاقتصادية المتقدمة، في جميع المجالات مما مكَّنها من قيادة السياسة الدولية، والتأثير في مجريات العلاقات الدولية القائمة. إلّا أن الذي لا يُشاهَد ولا تُظهره سياسات وخِطابات تلك المجتمعات الأوروبية الغربية المُتقدمة هو طبيعة التركيبة الاجتماعية المُكونة لتلك المجتمعات، ولذلك تأتي معرفتها غاية في الأهمية لتُساعدنا على معرفة أسباب ردة الفعل الغاضبة جداً تجاه الصِراع الأوروبي القائم مُنذُ فبراير 2022م. وهنا تأتي أهمية الربط بين واقع وطبيعة التركيبة الاجتماعية التي تعيشها المجتمعات الأوروبية الغربية، وبين الإرث التاريخي المُركب والمُعقد والصعب الذي عاشته تلك المجتمعات على مدى القرون القليلة الماضية.
قد تكون حالة الاستقرار والتطور والتقدم التي تعيشها المجتمعات الأوروبية الغربية قادرة ظاهرياً على إخفاء طبيعة التركيبة الاجتماعية المعقدة والمركبة في تلك المجتمعات، إلا أنها حقيقةً غير قادرة على إلغائها من النفوس والقلوب والعقول لأنها ترتبط بروابط صلبَة كالدم والعرق واللغة، بالإضافة لروابط الإرث التاريخي والثقافي والحضاري. نعم، قد تبدو المجتمعات الأوروبية الغربية وحدة واحدة ومجتمعات متماسكة، إلا أنها في حقيقة الواقع مُنقسمة على نفسها داخلياً تبعاً للمكونات العرقية واللغوية والثقافية التي تشكلها وتكونها. ففي داخل كل مجتمع من تلك المجتمعات الأوروبية الغربية عرقيات متنوعة ومتعددة ومُختلفة حيث تُؤمن كل عرقية بلغتها المستقلة، وثقافتها النوعية، وحضارتها العريقة، وإرثها التاريخي المديد، بالإضافة لإيمان كل عرقية بالأرض الخاصة بها كعرقية داخل ذلك المجتمع الذي تعيش فيه. فإذا كانت هذه التركيبة الاجتماعية المعقدة والصعبة قائمة حقيقةً في باطن تلك المجتمعات الأوروبية الغربية، فإن التجارب التاريخية الصعبة والمعقدة والدموية التي عاشتها أوروبا الغربية خلال القرون الثلاثة الماضية بسبب الاختلافات العرقية المكونة للمجتمعات الأوروبية الغربية تُخبرنا عن عظمة القلق والريبَة والارتباك التي تعيشها السياسات الأوروبية الغربية في الوقت الحاضر. نعم، لقد تسببت الاختلافات العرقية داخل المجتمعات الأوروبية الغربية بحروب عظيمة قتل فيها عشرات الملايين من البشر، وتفككت بسببها عدد من الأمبراطوريات العظيمة، ونشبت بسببها الحربان العالميتان الأولى (1914-1918م) والثانية (1939-1945م)، وقامت على أسس تلك الدعوات العرقية مجتمعات جديدة ودول عديدة خلال القرون الثلاثة الماضية، وازدادت تِباعاً في النصف الثاني من القرن العشرين.
فإذا أدركنا طبيعة التركيبة العرقية المُعقدة المكونة للمجتمعات الأوروبية الغربية، وإذا أدركنا التجارب التاريخية الدموية التي مرت بها المجتمعات الأوروبية بسبب الصراعات العرقية والدعوات الانفصالية، فإننا نستطيع فهم طبيعة ردة الفعل الغاضبة جداً التي عبَّرت عنها المجتمعات الأوروبية الغربية تجاه الصراع الأوروبي المسلح القائم مُنذُ فبراير 2022م، كونها تخشى أن تمتد تلك الدعوات الانفصالية إلى داخل مجتمعاتها المستقرة، أو تتسبب بحالة من الانقسامات العرقية واللغوية والثقافية داخل تلك المجتمعات الأوروبية الغربية. إنها الحقيقة القريبة جداً من الواقع، إلا أنها الحقيقة الصعبة لا يمكن إطلاقاً لساسة تلك المجتمعات الأوروبية الغربية التحدث عنها أو حتى إظهارها أو الإشارة إليها مهما كانت الأسباب لخطورتها على أمن وسلم واستقرار تلك المجتمعات.
وفي الختام من الأهمية القول إن القراءة الدقيقة والعميقة لتاريخ السياسة الدولية، بالإضافة للمعرفة الدقيقة والعميقة لطبيعة التركيبة الاجتماعية في أي مجتمع من المجتمعات، تساعدان كثيراً في فهم وتفهم وتوقع القرارات والسياسات والتوجهات التي تتخذها الدول والمجتمعات حتى وإن كانت لا تتوافق مع التوجهات العامة للطرف الآخر، وتساهمان مساهمة فعالة في اتخاذ مواقف سياسية مبنية على أسس منطقية وعقلانية وأخلاقية حتى وإن كانت لا تتوافق أو ترضي الطرف الآخر. فإذا أدركنا ذلك كله، فإننا ندرك بأن المعرفة هي الأصل، حيث لا مكان للاجتهادات العاطفية.




http://www.alriyadh.com/1945599]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]