تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : فقه فعل الأسباب



المراسل الإخباري
04-21-2022, 20:24
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
من وسطية ديننا جمعه بين مشروعية الأخذ بالسبب والتوكل على الله تعالى خالق الأسباب ومسبّباتها، والجمع بين الأمرين هو الاتِّزان المطلوب، وعليه تدل النصوص الشرعية، ومن جوامع الكلم النبوية قوله صلى الله عليه وسلم لصاحب الناقة: «اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ»، ومن رام التفرقة بين القرينين (التوكل وبذل السبب) فأهمل السبب فليس بمتوكلٍ بل متواكلٌ..
من طبيعة الدنيا أن تجري فيها المسببات على أسبابها بإذن الله تعالى، ولكل شيءٍ من مرغوبات الناس المتعلقة بمعاشهم ومعادهم سببٌ يَتوصل به إليه من أعْمَلَهْ، ويُحرمُ منه من أهمله، وقد أُحيطت الحياة الدنيا بظروفٍ تُحوجُ إلى اتخاذ الأسباب، وأهمها كونها دار عمل تتوقف السعادة في الآخرة على التعبد فيها، ثم إن المرء فيها لا يخلو من الاحتياج إلى ضرورياتٍ وحاجياتٍ وكمالياتٍ، وإنما تتأتى له بتسببٍ وسعي، وإذا حصلت استدعت صيانتها وحفظها أسباباً أخرى ومساعي جديدة، كما أنه عُرضةٌ لمخاطر وآفاتٍ حسيةٍ ومعنويةٍ لا غنى له عن الاحتراز منها، والتسبب في توقيها وإبعادها، ولا منأى عن الصعوبات في هذه الدنيا المطبوعة على الكدر، وللناس مذاهب شتى في كيفية التسبُّب لتطويع ما يعترض طريقهم من عقباتها، ومن طبيعة قسمة الحظوظ أن تَتَذلَّلَ لهذا عقبة بسببٍ قد بذل ذاك نظيره ولم تَتَذلَّل له، ويُحدثُ ذلك ضبابيةً في نظرة بعض الناس إلى الأسباب، ولي مع ذلك وقفات:
الأولى: أن من وسطية ديننا جمعه بين مشروعية الأخذ بالسبب والتوكل على الله تعالى خالق الأسباب ومسبّباتها، والجمع بين الأمرين هو الاتِّزان المطلوب، وعليه تدل النصوص الشرعية، ومن جوامع الكلم النبوية قوله صلى الله عليه وسلم لصاحب الناقة: «اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ»، ومن رام التفرقة بين القرينين (التوكل وبذل السبب) فأهمل السبب فليس بمتوكلٍ بل متواكلٌ، ومن اعتمد على السبب وترك التوكل فنفسَه حرَم، ومن زَهَدَ في الأسباب؛ بحجة أن يرى من يسعى ولا يحصِّل فقد ضيَّقَ نظرته، وتعامل مع الأمور بسطحيةٍ؛ وذلك لأن تعاطي السبب والجدّ في السعي في المنافع المباحة والمشروعة لا تُعدمُ فيهما فائدة، فإما أن ينال مبتغاه كما يصبو له، وإما لا ينال منه ما يتمنى فلا يخلو من مغنمٍ يغتنمه، وأهم ما يغتنمه الأجر والمثوبة على السعي المشروع لا سيما إن كان سعياً لإعاشة عياله، فقد روى البيهقي في شعب الإيمان عن عبدالله بن المبارك رحمه الله قال: "لَا يَقَعُ مِنَ الْفَضْلِ شَيْءٌ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ مِثْلُ السَّعْيِ عَلَى الْعِيَالِ"، ومن فوائد التسبُّبِ والسعي أن من قُدِرَ عليه رزقه المعنوي كالعلم والمادي كالمال قد يسعى في تحصيله بجدٍ ومثابرةٍ فيراه شخصٌ آخر ممن كتب الله له الرزق والظفر فيقتدي به في سعيه واجتهاده ويُفتحُ عليه، فهذا الفتح من ثمرات اجتهاد الـمُقتدى به، وبالمقابل من جرَّبَ التسبُّب فلم يجد ما يتمناه وتقاعس قد يُقلِّدُهُ من حوله في التقاعس وهم من أهل المواهب فيؤدي ذلك إلى إهدار مواهبهم.
الثانية: من آفات التسبُّبِ استعجال الثمرات والضجر من طول طريق الطلب، ومما يدل على أن الاستعجال آفةٌ تؤثر سلباً على النتائج، وتُفضي إلى العزوف عن السبب أنه يؤثر على الدعاء الذي هو أعظم الأسباب وأوقعها أثراً، ويحمل الإنسانَ على استثقاله تكرار قرع باب ربه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ: «قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ» متفق عليه، واللفظ لمسلم، ومن مظاهر الاستعجال التنقل بين الأسباب المتنوعة بحيث يشرع في اللاحق قبل أن يحين وقت إثمار السابق، ثم لا يستمر على الجديد، بل يعامله كمعاملته للأول، فكلما اتخذ سبباً ضجر منه واستطرف سبباً آخر، وفي كُلِّ مرحلةٍ ينتقل إليها تُمنِّيه نفسه أن يقفز إلى مصافِّ المنجزين فيها المثابرين عليها، ولم يدر أنهم صرفوا أوقاتهم وجهودهم قبل الوصول إلى ما يتمنى أن يزاحمهم فيه، وربما لجأ بعض الناس إلى تكديس أسبابٍ لا يمكن الجمع بينها متخيلاً أن ذلك يُعجِّلُ له الثمرة، وما درى أن الأسباب كالأدوية قد تنفع بانفرادٍ، ويضرُّ جمعُ ما لا يجتمع منها.
الثالثة: من الخطأ عدم الواقعية في تقدير نتائج الأسباب، فقد يطمح نظر الإنسان دائماً إلى الأعلَيْنَ من أهل المواهب العظيمة والمكانة المرموقة، ويجعل معيار الإنتاج بلوغ ما بلغوا، مع أنه قد أنجز إنجازاتٍ طيبةً، وتخطّى الكثير من المراحل التي يقف فيها كثيرٌ من الناس، لكن فاقَهُ من فاقَهُ، فيسخط على السبب الذي بذل فيه جهوده، وربما زهَّد فيه الناس، أو تحدث بحرقةٍ عن ندمه على انتهاجه تلك الطريق، وما كان ليزهد فيه أو يندم عليه لو وعى أن النجاح أمرٌ نسبيٌّ، وقد كُتبَ له منه نصيبٌ وافرٌ يغبطُهُ عليه كثيرٌ ممن انقطعت بهم السبل دونه.




http://www.alriyadh.com/1946968]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]