المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القوى الكبرى ومحددات القوة



المراسل الإخباري
05-04-2022, 04:30
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
عناصر التفوق والهيمنة العالمية تتكون من مزيج من التقدم الصناعي والعسكري والتقني والتعليمي والثقافي والاقتصادي، وضمان موارد الطاقة ووسائل النقل، وهذا المزيج لا تمتلكه في الوقت الراهن سوى الولايات المتحدة الأميركية..
نستكمل اطلاعاتنا لكتاب "آفاق العصر الأميركي" للدكتور جمال السويدي في محاولة للتعرف على مفاصل النظام العالمي الجديد وفقا لتوازنات القوى الكبرى.
وإن كان المفكر الروسي آنا تولي تي أو تكين يرى أن المجتمعات الإنسانية في ظل نظام العالم الجديد سوف تظل متشابهة ليس في الملابس فحسب وإنما في اللغة والثقافة والذوق والشيفرة النفسية في محاولة لتكوين قرية كونية واحدة تختفي فيها الحدود الفاصلة بين "نحن" و"هم"، وتتلاشى فيها الفروقات.
لقد بات القول إن العولمة توجه غربي وأمريكي السمات أمرًا من الماضي بعد أن تجذرت هذه الظاهرة وانتشرت أفقيًا ورأسيًا وأصبحت جزءاً أساسياً من مصالح دول واقتصادات صاعدة، وقد لا يكون من المبالغة القول إن الصين لا الولايات المتحدة الأميركية هي الرابح الأكبر من انتشار العولمة؛ ولذا لم يعد الحديث يدور عن كبح جماح العولمة أو لجم تقدمها، بل اقتصر في أفضل الأحوال على سبل معالجة سلبياتها.
ومن الضروري الإشارة إلى أن عولمة القضايا والشؤون الدولية لم تتحقق كنتيجة مباشرة لمصالح فئة معينة من الدول، بل إن هناك دافعاً أساسيًا موازيًا أيضا يتمثل في بروز تحديات عالمية تتطلب تعاونًا دوليًا فاعلًا في مواجهتها، حيث طفت على سطح النقاشات قضايا ملحة لا يمكن معالجتها إلا من خلال أطر عالمية قائمة على التعاون والتفاهم مثل الاحتباس الحراري الذي لا يمكن التهرب من تأثيراته السلبية.
فالجدل البحثي الدائر حول ماهية النظام العالمي الجديد وحقيقة وجوده لا يمثل شيئا على أرض الواقع في مواجهة حقيقة الهيمنة الثقافية والاقتصادية الأميركية والغربية على مفاصل هذا النظام وتسليم القوى الكبرى بالدور الأميركي والغربي ضمنًا أو صراحة.
ونعتقد أن التساؤل الأساسي ينبغي ألا يتمحور حول الأمد الزمني للعصر الأميركي، بل ينبغي أن يركز على آليات ممارسة الهيمنة الأميركية وكيفية مواجهتها أو منافستها، وإن كان هناك أطروحات وأدبيات سياسية كثيرة في السنوات الأخيرة تناولت ما عرف بنهاية العصر الأميركي وبروز عالم ما بعد أمريكا، والحديث عن عالم بلا أقطاب وغير ذلك من أطروحات لها وجهاتها وأسانيدها العلمية والبحثية.
وهذا يرتبط في الأساس بالصعود الاقتصادي الصيني الهائل مع تجاهل واضح لمحددات القوة لدى القوى الأخرى وركائزها مثل التعليم والثقافة والتفوق العسكري والتقني والاقتصادي والصناعي ومصادر الطاقة ووسائل النقل والإنفاق على البحث والتطوير التي تلعب أدواراً استراتيجية لا تقل تأثيرًا عن الاقتصاد.
واللافت للنظر أن جميع الدراسات تقر بامتلاك الولايات المتحدة الأميركية قوة شاملة لا تحظى بها أي قوة أخرى في العالم في الوقت الراهن، بل على مر التاريخ، ولكن تبقى الإشكالية أو محور الجدل ممثلين في الصيغة التي سيتم التوصل إليها لإدارة شؤون النظام العالمي الجديد خلال المدى المتوسط، فهل تركز هذه الصيغة على إبقاء الولايات المتحدة الأميركية قوة أحادية مهيمنة على هذا النظام، أم تسمح بتقاسم المسؤوليات والأدوار مع شركاء وفاعلين عالمين آخرين؟
وإن كان النظام العالمي الجديد يمر في اللحظة الراهنة بمرحلة مفصلية، ربما تسهم في بلورة ملامحه بشكل أكثر دقة خلال السنوات والعقود المقبلة فلا جدال في أن ازدياد تباين المواقف مؤخرا بين القوى الرئيسة حول قضايا محورية يترك بصماته على مفاهيم رئيسة مثل الشرعية الدولية، بما يمكن أن يغير من طبيعة هذه المفاهيم مستقبلًا، فكل من روسيا والصين تسعيان إلى إلزام الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين بالعمل تحت المظلة الشرعية الدولية ممثلة في الأمم المتحدة.
ومن ثم فإن سيناريو نهاية التجاذب الدولي قد يسهم في دفع النظام العالمي الجديد إلى مزيد من الهيمنة الأميركية على حساب التعاون الدولي في إطار الأمم المتحدة أو إلى تراجع نفوذ الولايات المتحدة الأميركية والاعتراف ضمنًا بعدم مقدرتها على القيادة الأحادية للنظام العالمي والسماح بوجود شركاء آخرين والعودة إلى الاحتكام إلى الأمم المتحدة فيما يتعلق بتأطير قواعد الشرعية الدولية والأمن والسلم الدوليين.
ومع ذلك فمن السابق لأوانه القول إن صراع الإرادات الدائر بين القوى العظمى وحلفائها من جهة والقوى الكبرى من جهة ثانية سيفرز إرهاصات النظام العالمي متعدد الأقطاب أو ظهور صيغة لتقاسم القوة والنفوذ بين الولايات المتحدة الأميركية وبعض القوى الكبرى.
والمؤكد أن تفوق الولايات المتحدة الأميركية في المجالات العسكرية والتقنية والعلمية والثقافية والتعليمية ومجال النقل فضلًا عن قدرتها على التجدد والتكيف يشكك في إمكانية بروز قوة موازية لها في قيادة النظام العالمي الجديد خلال العقود الثلاث المقبلة على أقل التقديرات.
فعناصر التفوق والهيمنة العالمية تتكون من مزيج من التقدم الصناعي والعسكري والتقني والتعليمي والثقافي والاقتصادي، وضمان موارد الطاقة ووسائل النقل وهذا المزيج لا تمتلكه في الوقت الراهن سوى الولايات المتحدة الأميركية، وهل تقبل الولايات المتحدة الأميركية فكرة تقاسم النفوذ في النظام العالمي الجديد ونشوء قوة عالمية جديدة؟.
وفي هذا الإطار يمكن التأكيد أن الولايات المتحدة الأميركية تبدي تصميمًا واضحًا على التمسك بمكانتها على قمة النظام العالمي الجديد وتبذل في سبيل ذلك جهودا هائلة سواء على صعيد تطوير قدراتها ومواردها ومقومات قوتها لضمان استمرار الهيمنة والسيطرة أو على صعيد احتواء القوى المنافسة المحتملة لها وفي مقدمتها الصين.




http://www.alriyadh.com/1949131]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]