المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تلك الدار



المراسل الإخباري
05-08-2022, 04:31
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
إنّ الدار الآخرة على الحقيقة ليست مجرد الموت، ولا البرزخ، ولا البعث ولا النشور، بل هي المكث الأبدي في دار النعيم، وهو الهدف الأسمى الذي يسعى إليه أهل العقول والقلوب الطاهرة..
قبل سنوات مضت استوقفتني آية وأنا أراجع وردي اليومي، وكانت أحد الأسباب في تأليف كتابي (نكات قرآنية).
واليوم ونحن نودع العيد، ونتذكر كيف استقبلنا رمضان، ومن ثم ودعناه كأن لم يمر علينا، ولم نعش ساعاته.
وقد ودعنا في أيامه وبعدها أحبابا، وأصدقاء كانوا ملء السمع والبصر، وكانوا يشاركوننا التهاني والتبريكات، ثم ودعونا إلى غير رجعة، كما هي سنة الله في هذه الحياة الدنيا، وما أخصر وأبلغ ما قاله ابن كثير - رحمه الله - في مقدمة تفسيره إذ قال:
تمرّ بنا الأيامُ تترى وإنما
نساقُ إلى الآجالِ والعينُ تنظرُ
فلا عائدٌ ذاك الشباب الذي مضى
ولا زائلٌ هذا المشيب المكدرُ
وإني لأعلم أن المقال في صحيفة ليس مقالا وعظيا، لا سيما والناس تعيش أفراح العيد، ولم تنته سعادتهم به فننغص عليهم بذكر الختام.
لكني أراني مضطرا إلى أن أقف مع هذه العبارة التي عنونت بها مقالي هذا، إذ هو من نفس النقطة التي انطلقت منها في (النكات). ألا وهي اسم الإشارة (تلك) التي يشار بها إلى الجنة، في قوله (تلك الجنة) وإلى الآخرة في قوله (تلك الدار الآخرة)، فإن استعمال هذا الاسم يراد منه أن نتخيل ونسرح في الملكوت، مع أن الوصول إلى الدار الآخرة قد يكون بطرفة عين، وما أكثر أسباب الانتقال إليها وما أيسرها.
فلماذا إذن يشار إليها بالبعيد؟ هذا، والله أعلم لأن الناس يرونها بعيدة، تلهيهم الآمال وتشغلهم الأعمال، وينغمسون في ملذات الدنيا، وأكثرهم معرضون.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الدار الآخرة على الحقيقة ليست مجرد الموت، ولا البرزخ، ولا البعث ولا النشور، بل هي المكث الأبدي في دار النعيم، وهو الهدف الأسمى الذي يسعى إليه أهل العقول والقلوب الطاهرة.
وقد أثبت الواقع والعقل قبل النصوص والنقل أن القضية كل القضية هداية الله للمرء وتبصيره بأهمية وجوده وما خلق له، فكم من ذكر عبقري تائه حيران لا يدري ما الحياة الدنيا، ولا يؤمن بالدار الآخرة!
ومن هنا كان العيد فرحة فطر لمن صام وقام وتلذذ بأيام رمضان، وجاهد النفس في العمل الذي يرضي مولاه، من بر وصدقة، وصلة رحم، وعبادة متنوعة، من صيام وقيام ودعاء وإحسان.
وهذا الجهد لا يبذله من ظن الآخرة قريبة كما يوهمه بعض المتزهدة الذين يريدون من المرء ألا يأمل إدراك العصر وهو يصلي الظهر، وهذا خلط بين الأمل والأمن، وبينهما حرف، فمن أمن فقد أخطأ ومن لم يأمل فقد أخطأ أيضا، لأن الحياة لا تعاش إلا بأمل، ولولا ذلك لما تبايع الناس ولما استعمروا حياتهم التي استخلفهم الله فيها.
إذ لا يذهب المرء ليخطب إلا وهو يأمل العيش حتى يتزوج وينجب ويربي أبناءه ويراهم رجالا ويتمتع بأولادهم، وكل هذا يحتاج إلى سنين عديدة. يأمل الإنسان أن يعمر في دنياه، ويعيش بهذا الأمل حتى آخر لحظات حياته، وليس في هذا مخالفة لشرع أو غفلة عن (تلك الدار). إذا عمر أيامه بما ينفع الناس في دينهم أو دنياهم، فالدين عام عبادة ومعاملة.
كما لا يبذله من لا يرى الدار الآخرة حقيقة ومآلا!
أقول هذا لئلا يزهد الناس في أعمالهم، ولا ييأسوا من رحمة ربهم، فإن كانت الدار الآخرة لا ريب فيها فإن حسن الظن بمالكها هو المطلوب، ولا أدل على حسن الظن به من صوم الصائمين، وقيام القائمين، وتلك الألسن والأكف التي ارتفعت تشاركها تدعو السميع القريب المجيب، وتتملقه بعبادته، وهي توقن أنه (رحيم ودود)، حيي ستير، يستحي أن يرد أيديهم صفرا، وهو الجواد الكريم.
نعم، (تلك الدار الآخرة) مخصوصة لمن لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، والله لا يحب المفسدين، ولا يصلح عمل المفسدين، والعالم بتلك الدار ينبغي له أن يكون من المصلحين، والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.. هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/1949536]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]