المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أعذار النفس



المراسل الإخباري
05-19-2022, 03:43
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
من أخطر أعذار النفس التي تُردي صاحبها في الهاوية ما يحصل لأصحاب الأهواء والبدع من السعي في الهوى، والاعتداد به، والتعويل على ما يتمسكون به مما ظاهره أنه نسكٌ واجتهادٌ في الطاعة، وما يدري أحدهم أنه يجتهد بذلك في عكس طريق الحق، ونفسه تشجعه على ذلك على أساس أنه اجتهادٌ في الطاعة..
لا بد للنفس من رياضةٍ وتزكيةٍ، وإذا تُركت وشأنها ووكلت إلى طبعها فلن تختار -على الأغلب- من الأمور إلا أيسرها كلفة وأعجلها ثمرة، ولن تبيع عاجلاً بآجلٍ وإن كان بينهما من البون ما بين السماء والأرض، ولن تحمل صاحبها على خطة رشدٍ تنأى به بسببها عن الهلكة، وإذا زُكّيت وروِّضت استكانت للرشد بحسب ما فتح الله على صاحبها وما كُتب له من سعادةٍ، ثم بحسب جهده وتعاهده لها وكياسته في التفطن لمنعطفات مسيرتها ومكايدها الدقيقة أحياناً، ومن أهم دسائسها وأخطرها ركونها إلى تلقين الإنسان أنواعاً من الأعذار المفتعلة التي تسوِّغ له بها التقاعس عن مصالح دينه ودنياه، وتهوِّن بها عليه ما عليه من حقوق الله تعالى ومن حقوق عباده العامة والخاصة، ولي مع أعذار النفس وقفات:
الأولى: أن الإنسان يهوى -بطبعه- أن يكون معذوراً في ترك ما يذر، وفي إتيان ما يصنع، ويستثقل كل ما يُلقي عليه اللائمة، وهذا الذي يهواه هو الذي تُسوّله له نفسه الأمارة بالسوء (إلا ما رحم ربي)، فتقعد له بالمرصاد تُثبِّطُهُ عن معاده، وتُلقنه الأعذار التي يُحدّث بها نفسه أو يتحدث بها نطقاً إذا أمر بطاعة الله تعالى كما حصل للمنافقين في غزوة تبوك، وإنما يتمسك بهذا الإملاء؛ لأن نفسه قد راودته على أمرٍ هو عليه حريصٌ فلا يتوانى في القناعة بما أملت عليه من ذلك، وإنما ينجو من هذا المأزق من سعى في تهذيب نفسه حتى رزقه الله النفس اللوامة وهي كما قال بعض المفسرين: "تلوم نفسها أبداً في التقصير، والتقاعد عن الخيرات، وإن أحسنت، لحرصها على الزيادة في الخير، وأعمال البر، تيقناً بالجزاء، فكيف بها إن أخطأت وفرّطت وبدرت منها بادرة غفلة ونسيانا"، أما صاحب الأمارة بالسوء فيقترف ما هو به عالـمٌ من التقصير في حقِّ ربه فعلاً للمنهيات وتركاً للأوامر، ثم هو لا يرعوي، بل يتشبث بأعذارٍ يُخادع بها نفسه، لكنه يعلم أنها لا أساس لها، ومصداق ذلك قوله تعالى: (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) قال ابن كثير رحمه الله تعالى: (أي هو شهيدٌ على نفسه عالـمٌ بما فعله ولو اعتذر وأنكر).
الثانية: كما أن لمصالح المعاد نفساً تحمل على التقاعس عنها ثم تعتذر، فكذلك مصالح الدنيا والمعاش تتقاصر عنها النفوس التي أَلِفَت الكسل واستمرأت الراحة، ولم تر في معالي الأمور مكسباً يستحق التعب والنصب، ثم هي لا تكتفي بما فوّتت على صاحبها من المصالح والذكر الحسن والنفع القاصر والمتعدي، بل قيّدته بعد ذلك بأغلالِ الأعذار التي لا أساس لها من الصحة، فالمنصرف عن مهمةٍ من مهمات المعاش -والتي لا تخلو من أهميتها أيضاً للمعاد- مُولعٌ بأعذارٍ يُوطّن بها نفسه على ما يستشعر بين الفينة والأخرى من تأنيب ضميرٍ حين يثوب إليه التفكير الصحيح، فيطرد هاجس ذلك التأنيب بأعذارٍ تخدعه بها نفسه الفاترة الهمة، وتحول بذلك بينه وبين الاستيقاظ من نوم الهوينى والبطالة، فيُلقي لائمة الإخفاق في التكوين واكتساب معارف الحياة على غيره، ويلوم كل من عامله فلم يُفلح في الاستمرار معه على ما حدث مع أنه المقصر، فيحتكر لنفسه الجانب الإيجابي، ويجعل بقية الناس أحجار عثرةٍ في طريقه، ولا يمنعه من ذلك كونه يرى من سواه من الناس ينجحون على أيدي من يلومهم، ويُفلحون في التعامل مهم؛ لأنه لم ينطلق من مبدأ الإنصاف أصلاً.
الثالثة: من أخطر أعذار النفس التي تُردي صاحبها في الهاوية ما يحصل لأصحاب الأهواء والبدع من السعي في الهوى، والاعتداد به، والتعويل على ما يتمسكون به مما ظاهره أنه نسكٌ واجتهادٌ في الطاعة، وما يدري أحدهم أنه يجتهد بذلك في عكس طريق الحق، ونفسه تشجعه على ذلك على أساس أنه اجتهادٌ في الطاعة؛ ولهذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم الخوارج للصحابة في الحديث المتفق عليه، فقال: (تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، وَيَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ)، فهؤلاء غرتهم أنفسهم واعتدُّوا بفكرٍ معوجٍّ، فكان الاجتهاد في الطاعات الذي فُتِحَ لهم استدراجاً، فهم –في كل عصرٍ- غارقون في الظلم والطغيان، والاستهتار بحقوق خلق الله، وإهدار مصالح العباد، والإفساد في البلاد، وخيانة المجتمع وغشّه، ومحاولة شقِّ صفه، وفي الوقت نفسه يعتذرون بأنهم يسعون لرفع الظلم، وحماية حقوق الناس، وصيانة المصالح، فما أبعد نجعتهم! وما أفسد منهجهم! وما أشدّ سذاجتهم وسذاجة من يُصغي لهم!




http://www.alriyadh.com/1951556]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]