المراسل الإخباري
06-07-2022, 16:12
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
نحن نكتب لأننا نحتاج أن نعبر بطرق مختلفة قد لا تناسب الجميع ولكن الأغلبية في وقت ما من حياتهم فحتى تلك الرسائل الطفولية الجميلة التي يكتبها الصغار لأمهاتهم أو آبائهم هي حاجة تعبر عن امتنان وحب أو تدعو لمزيد من القرب. وقد حظيت شخصياً بالكثير والجميل منها..
رساله كما هو اسمها في الفصحى يقول بدر شاكر السياب:
رسالة منك كاد القلب يلثمها
لولا الضلوع التي تثنيه أن يثبا
أو خط كما شاعت تسميتها قديما عند أهل الخليج العربي:
خط وصل يحمل تهاني
ما بين طيات له سطور
ساعة وصل نور مكاني
وافرحت أنا وبقيت مسرور
(ابن وقيش)
وفي بلاد الشام القديمة يسمونها مكتوب وهكذا غنت فيروز:
كنا نبعت له مكتوب يبعت مكتوبين
شو قالوا لك يا محبوب مغير من شهرين
آخر مرة اتلاقينا اتصافينا واتراضينا
إن كانك زعلان عليناع القليلة عاتبنا
وفي مصر يسمونها جواب كما غنت نجاة الصغيرة:
وبعتنا مع الطير المسافر جواب، وعتاب
وتراب من أرض أجدادي وزهرة من الوادي
يمكن يفتكر لي هاجر إن له في بلاده أحباب
تعددت الأسماء والشوق واحد والفرحة بوصول الرسالة واحدة حين كان للرسالة سطوة على العقول والقلوب فهناك دائماً من ينتظرها بشوق وكأنه في أسطرها يرى أحبابه الذين تغربوا أو ابتعدوا لأي سبب كان قبل أن يدخل الهاتف في حياة الناس ويختصر المسافات وتبدأ الرسائل بفقدان أهميتها وأثرها الروحي تدريجياً إلا فيما ندر بين من يرون بأن الرسالة تفسح لقلوبهم وعقولهم أن تعبر بحرية وجمال وفن لتصبح الرسائل قطعاً أدبية ومختصرات بلاغية مهما كان موضوعها كرسائل غسان كنفاني لغادة السمان.
كم من حكاية وحكاية كانت الرسائل فيها هي البطل الحقيقي أو الجندي المجهول الذي يتخفى عن الجميع باستثناء من يكتبونها لبعضهم بعضا.
كم من رسائل فضحت وكم من رسائل جمعت وكم من رسائل فرقت.
جميلة هي الرسائل؛ كنت واحدة من الذين تبهرهم الرسائل بمظاريفها التقليدية المعروفة قديماً والأظرف الملونة وكتبت بعض الرسائل رغم وجود الهاتف لبعض صديقات الدراسة من الأخوات العربيات اللاتي درسن معي ثم عُدن لأوطانهن وكنت أفرح بأي رسالة تصل لأي فرد من أفراد العائلة لنفس السبب غالباً وأذكر رسائل (أبله ليلى) العراقية التي عملت في التدريس مع إحدى أخواتي..
ولا أعرف لماذا كنت أهتم بها وأفرح ولكن بالتأكيد ليس لأنها وسيلة تواصل فقط، ألأنها وسيلة تواصل أم لأنها تمكننا وسيلة من وسائل البوح عن مشاعر ما حتى ولو لم تكن كذلك في ظاهرها فهي غالباً لا تحمل سوى السؤال عن الأحوال والإخبار بأحوال أخرى، آخر رسالة استلمتها ربما منذ عشرة أعوام من زميلة مصرية عملت معي في صحيفة اليوم وفرحت بها أيضاً رغم تواصلنا الهاتفي أحياناً!
ولكن تقديري للرسالة كفن كتابي جعلني لا أتوقف عن كتابة رسائل مجهولة الوجهة إذ يكفيني منها أن أكتب وأن تكتب يعني أن تتنفس هي رسائل لم تصل وأخرى بالتأكيد وصلت وهي تلك الرسائل التي كتبتها كمناجاة لله ودعاء. وكانت تمنحني طاقة عجيبة تشبه التسبيح، ورسائل أخرى لم أكتبها بقلم على ورق ولكني كتبتها بطريقة ما في رأسي كيف؟ لا أعلم ولكنها ليست مجرد فكرة بل رسالة كتبت ربما بشريان ما خلية ما المهم أنها كتبت بعضها ينمحي وبعضها يبقى أقرأه من وقت لآخر!
اليوم اختلف الحال فلم تعد الرسائل الإلكترونية تعطينا ذلك التدفق الشعوري الذي منحتنا إياه الرسائل الورقية حتى وإن لم نكن نحن من أرسلها أو أرسلت إليه ولهذا أحببنا رسائل العشاق التي وصلت والتي لم تصل وبكينا على الرسائل المستردة مع البدر ومحمد عبده:
لا تردين الرسايل
ويش أسوي بالورق
وكل معنى للمحبة
ذاب فيها واحترق
وأحببنا رسائل أحلام مستغانمي التي حملت تحذيرات كثيرة في التعامل مع الحب بالرسائل وحملت رسائلها شيئاً من الآمال والآلام واللقاءات والفراق وفتحت أشرعة كبيرة لسفن تبحر بنا تارة في الذاكرة وأخرى في العالم كله تقول أحلام:
الذي قال "اكتب دوماً رسائل الغضب إلى أعدائك، لكن لا ترسلها إليهم" كان عليه أن يضيف "واكتب رسائل الحبّ أيضا.. واحتفظ بها لنفسك".
اتفق تماماً مع القولين فهما وسيلة علاج فعالة لكلتا الحالتين الحب والبغض فرسائل الغضب تنفيس ورسائل الحب سكون. ويبقى القاسم المشترك هو الكتابه فنحن نكتب لأننا نحتاج أن نعبر بطرق مختلفة قد لا تناسب الجميع ولكن الأغلبية في وقت ما من حياتهم فحتى تلك الرسائل الطفولية الجميلة التي يكتبها الصغار لأمهاتهم أو آبائهم هي حاجة تعبر عن امتنان وحب أو تدعو لمزيد من القرب. وقد حظيت شخصياً بالكثير والجميل منها.
الرسائل وصلت أو لم تصل هي دهشة المتعة الكتابية التي تمنح صاحبها الشفاء من أدواء كثيرة وهي التي قال عنها كافكا: "الكتابة تكليف لم يُكلفني به أحد".. ولهذا تحتفظ بجمالها وأثرها.
http://www.alriyadh.com/1954947]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
نحن نكتب لأننا نحتاج أن نعبر بطرق مختلفة قد لا تناسب الجميع ولكن الأغلبية في وقت ما من حياتهم فحتى تلك الرسائل الطفولية الجميلة التي يكتبها الصغار لأمهاتهم أو آبائهم هي حاجة تعبر عن امتنان وحب أو تدعو لمزيد من القرب. وقد حظيت شخصياً بالكثير والجميل منها..
رساله كما هو اسمها في الفصحى يقول بدر شاكر السياب:
رسالة منك كاد القلب يلثمها
لولا الضلوع التي تثنيه أن يثبا
أو خط كما شاعت تسميتها قديما عند أهل الخليج العربي:
خط وصل يحمل تهاني
ما بين طيات له سطور
ساعة وصل نور مكاني
وافرحت أنا وبقيت مسرور
(ابن وقيش)
وفي بلاد الشام القديمة يسمونها مكتوب وهكذا غنت فيروز:
كنا نبعت له مكتوب يبعت مكتوبين
شو قالوا لك يا محبوب مغير من شهرين
آخر مرة اتلاقينا اتصافينا واتراضينا
إن كانك زعلان عليناع القليلة عاتبنا
وفي مصر يسمونها جواب كما غنت نجاة الصغيرة:
وبعتنا مع الطير المسافر جواب، وعتاب
وتراب من أرض أجدادي وزهرة من الوادي
يمكن يفتكر لي هاجر إن له في بلاده أحباب
تعددت الأسماء والشوق واحد والفرحة بوصول الرسالة واحدة حين كان للرسالة سطوة على العقول والقلوب فهناك دائماً من ينتظرها بشوق وكأنه في أسطرها يرى أحبابه الذين تغربوا أو ابتعدوا لأي سبب كان قبل أن يدخل الهاتف في حياة الناس ويختصر المسافات وتبدأ الرسائل بفقدان أهميتها وأثرها الروحي تدريجياً إلا فيما ندر بين من يرون بأن الرسالة تفسح لقلوبهم وعقولهم أن تعبر بحرية وجمال وفن لتصبح الرسائل قطعاً أدبية ومختصرات بلاغية مهما كان موضوعها كرسائل غسان كنفاني لغادة السمان.
كم من حكاية وحكاية كانت الرسائل فيها هي البطل الحقيقي أو الجندي المجهول الذي يتخفى عن الجميع باستثناء من يكتبونها لبعضهم بعضا.
كم من رسائل فضحت وكم من رسائل جمعت وكم من رسائل فرقت.
جميلة هي الرسائل؛ كنت واحدة من الذين تبهرهم الرسائل بمظاريفها التقليدية المعروفة قديماً والأظرف الملونة وكتبت بعض الرسائل رغم وجود الهاتف لبعض صديقات الدراسة من الأخوات العربيات اللاتي درسن معي ثم عُدن لأوطانهن وكنت أفرح بأي رسالة تصل لأي فرد من أفراد العائلة لنفس السبب غالباً وأذكر رسائل (أبله ليلى) العراقية التي عملت في التدريس مع إحدى أخواتي..
ولا أعرف لماذا كنت أهتم بها وأفرح ولكن بالتأكيد ليس لأنها وسيلة تواصل فقط، ألأنها وسيلة تواصل أم لأنها تمكننا وسيلة من وسائل البوح عن مشاعر ما حتى ولو لم تكن كذلك في ظاهرها فهي غالباً لا تحمل سوى السؤال عن الأحوال والإخبار بأحوال أخرى، آخر رسالة استلمتها ربما منذ عشرة أعوام من زميلة مصرية عملت معي في صحيفة اليوم وفرحت بها أيضاً رغم تواصلنا الهاتفي أحياناً!
ولكن تقديري للرسالة كفن كتابي جعلني لا أتوقف عن كتابة رسائل مجهولة الوجهة إذ يكفيني منها أن أكتب وأن تكتب يعني أن تتنفس هي رسائل لم تصل وأخرى بالتأكيد وصلت وهي تلك الرسائل التي كتبتها كمناجاة لله ودعاء. وكانت تمنحني طاقة عجيبة تشبه التسبيح، ورسائل أخرى لم أكتبها بقلم على ورق ولكني كتبتها بطريقة ما في رأسي كيف؟ لا أعلم ولكنها ليست مجرد فكرة بل رسالة كتبت ربما بشريان ما خلية ما المهم أنها كتبت بعضها ينمحي وبعضها يبقى أقرأه من وقت لآخر!
اليوم اختلف الحال فلم تعد الرسائل الإلكترونية تعطينا ذلك التدفق الشعوري الذي منحتنا إياه الرسائل الورقية حتى وإن لم نكن نحن من أرسلها أو أرسلت إليه ولهذا أحببنا رسائل العشاق التي وصلت والتي لم تصل وبكينا على الرسائل المستردة مع البدر ومحمد عبده:
لا تردين الرسايل
ويش أسوي بالورق
وكل معنى للمحبة
ذاب فيها واحترق
وأحببنا رسائل أحلام مستغانمي التي حملت تحذيرات كثيرة في التعامل مع الحب بالرسائل وحملت رسائلها شيئاً من الآمال والآلام واللقاءات والفراق وفتحت أشرعة كبيرة لسفن تبحر بنا تارة في الذاكرة وأخرى في العالم كله تقول أحلام:
الذي قال "اكتب دوماً رسائل الغضب إلى أعدائك، لكن لا ترسلها إليهم" كان عليه أن يضيف "واكتب رسائل الحبّ أيضا.. واحتفظ بها لنفسك".
اتفق تماماً مع القولين فهما وسيلة علاج فعالة لكلتا الحالتين الحب والبغض فرسائل الغضب تنفيس ورسائل الحب سكون. ويبقى القاسم المشترك هو الكتابه فنحن نكتب لأننا نحتاج أن نعبر بطرق مختلفة قد لا تناسب الجميع ولكن الأغلبية في وقت ما من حياتهم فحتى تلك الرسائل الطفولية الجميلة التي يكتبها الصغار لأمهاتهم أو آبائهم هي حاجة تعبر عن امتنان وحب أو تدعو لمزيد من القرب. وقد حظيت شخصياً بالكثير والجميل منها.
الرسائل وصلت أو لم تصل هي دهشة المتعة الكتابية التي تمنح صاحبها الشفاء من أدواء كثيرة وهي التي قال عنها كافكا: "الكتابة تكليف لم يُكلفني به أحد".. ولهذا تحتفظ بجمالها وأثرها.
http://www.alriyadh.com/1954947]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]