تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مثالب الشعراء الراحلين



المراسل الإخباري
07-01-2022, 05:24
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png فضّل الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في تحقيقه لديوان بشّار بن بُرد نشر قصائد الشاعر كما هي من دون أي تصرّف، وكتب رأياً جميلاً وجديراً بتأمل الباحثين الذين يتعاملون مع إنتاج الشعراء القدامى أو الراحلين، لاسيما إنتاج مَن تتسم قصائدهم بالجرأة أو يكثر فيها ما يُعدّ لدى فئة من المتلقين تجاوزات ينبغي إسقاطها ومعاملتها معاملة الباطل الذي يجب إماتته بالسكوت عنه. فقد انتقد جرأة بعضهم في حذف «ما يُستحيا منه» وقال: إن ذلك يتنافى مع أمانة النقل، وذكر أن الشاعر لا ينبغي تصويره «على حسب ما يشتهيه الناقل أو القارئ؛ بل ينبغي أن يظهر كما هو بأخلاقه وألفاظه وأخلاق أهل عصره وعاداتهم.. ولسنا بالذين نصلح من الشاعر ما أفسده طبعه، ولا نشعب ما تشقق به نبعه». وأكّد ابن عاشور على مسألة مهمة وهي أن انتخاب الباحث ما يناسبه من خلق الشاعر يؤدي لتعدد صور الشاعر الواحد بحسب «كثرة الناحتين واختلاف أذواق الناشرين». وضرب مثالاً افتراضياً لتوضيح إشكالية تصرّف الأشخاص في إنتاج الشاعر بناء على أهوائهم أو معتقداتهم، وهو أن ولد ابن الوردي لو أراد نشر ديوان بشار أو ديوان عمر بن أبي ربيعة بعد استماعه للامية والده التي نصح فيها قائلاً: «اعتزل ذكر الأغاني والغزل»، فإنه سيحذف أكثر شعر هذين الشاعرين.
ربما يتيح الفاصل الزمني الطويل بين الباحث وبين عصر الشاعر العربي امتلاك شجاعة أكبر في النشر، أما في موضوع تحقيق الشعر الشعبي فإن الباحث يضع اعتبارات كثيرة تحول بينه وبين نشر الديوان كما هو، فيحاول أحياناً تحميل مسؤولية تصرفه على المتلقين أو على فئة منهم، فيقول: وقد تجنبت نشر قصائد الهجاء «مراعاةً لمشاعر الآخرين»، أو يوزع مسؤولية التصرّف بينه وبين جهات أخرى بالاعتراف بأنه تصرّف «بوازع الدين والأخلاق، ومراعاة للاعتبارات الاجتماعية»، أو خشية سلطة الجهات الرقابية.
ومن الباحثين من يسعى بتصرّفه لإبراز صورة مثالية ناصعة البياض عن الشاعر وعن إنتاجه، فيحذف بدايةً قصائد الهجاء أو يهذّب ألفاظها بحجّة أن ضررها قد يمتدّ لأطراف أخرى، ويمرُّ على الغزل فيتصرّف في الأبيات التي يظن أن فيها «جرأة زائدة» لأن الشاعر الراحل «ما هو ناقص ذنوب». ولا يغفل عن إسقاط الأبيات التي فيها تذلّل للمحبوب لأنها لا تليق بمكانة الشاعر، ويلتفت أيضاً لقصائد المدح فينتزع منها كل بيت تضمّن حاجة طلبها الشاعر من ممدوحيه تصريحاً أو تلميحاً لأنه لا يليق به أن يكون متسولاً «شحاذاً»، ولا ينتهي من سلسلة تصرفاته إلا بعد أن يرتاح لرسم صورة مشرقة للشاعر.
نظرياً يسهل مُطالبة الباحثين بالاقتداء بموقف ابن عاشور في تعامله مع ديوان ابن برد، أما من الناحية العملية فإن نشر ديوان شاعر من الشعراء الشعبيين القدامى بنصّه، ومن دون تصرّف، مسؤولية ثقيلة لا يستطيع النهوض بها إلا قلة من الباحثين، ولا شك أن أسوأهم هو مَن يؤمن بأن مسؤوليته هي تخليص الشاعر وإنتاجه من جميع ما يراه مثالب أو أخطاء.




http://www.alriyadh.com/1959423]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]