المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التنظيم



المراسل الإخباري
07-07-2022, 03:06
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
تقتطف الأمة المسلمة هذه الأيام ثمرةً عظيمةً من ثمرات التنظيم وتوطد أركان الحكم، حيث يتوافد حجاج بيت الله الحرام من كل فجٍّ عميقٍ ومن شتى بقاع الأرض، وهم آمنون لا يخافون مِنْ تعكُّرِ صفو أدائهم لنسكهم؛ ولا أحدَ يُمكنه أن يشوش عليهم بأدنى أنواع التشويش..
شؤون الناس دينية كانت أم دنيوية لا بد لها من الجريان على تنظيم يضبطها، وإن لم تجر على نظامٍ ولم تضبط بضابطٍ تعذر سدادها، وغلب عليها التخبط والارتجالية، وشاع حيف كل من استطاع الحيف، ولم يكن لميزان الحقوق اعتبار، على حد قول بعض أهل الجاهلية: "من عزَّ بزَّ"؛ ولهذا لا يُقرُّ الشرع الحكيم ولا العقل السليم أن يخلو مجتمع من ذي سلطةٍ يلي أمره، ويقيه التبعات المشؤومة للانفلات والفوضى، ومن كانت فطرته سليمة أو كانت ديانته متينة لم يمتعض من التنظيم؛ لإدراكه أنه يجلب مصالح لا تحصل بدونه، ويدرأ مفاسد ما كان لها أن تندفع لو أهمل، وإنما يشنأ انتظامَ الأمور وانضباطَها من تبدلت فطرته وتضاءلت معرفته، أو من رقَّت ديانته واستحكمت الشبه في مخيلته، أو شرير النفس يتعمد حبَّ السوء للناس، ويعي أن انتظام أحوالهم مباركٌ ميمونٌ عليهم، فيحسدهم على البركة واليمن، ويتمنى لهم أن يزول عنهم ما يجلبهما؛ ولأجل استيلاء الحسد عليه لم يدرك أن بركة النظام تشمله فيمن تشمل، وأن شؤم الفوضى تطحنه فيمن تطحن، ولي مع أهمية التنظيم وقفات:
الأولى: أن سيادة النظام من الواجبات التي قررتها الشريعة المطهرة، فلا يسع المسلمين أن لا يكون لهم سلطان يتولى أمورهم، ولو لم يتخذوه لأثموا على هذا التفريط إثماً يعمهم كلهم كما هو الشأن في إهمال فرض الكفاية، وإذا نُصِّب وجبت طاعته والتزام جماعته، وحرم الخروج عليه والتشغيب عليه كما دلت عليه النصوص، فلا يجوز للمسلم أن تخلو عنقه من بيعة ولي أمر ولا أن يُبايع ثم يخالف، كما يدل عليه حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند مسلم، وفيه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، والشرع لا يشدد مثل هذا التشديد على عملٍ إلا إذا انتظمت فيه المصالح الكبرى، واستتباب النظام به يحصل المحافظة على الضرورية الكلية، وهي حفظ الدين والنفس والمال والعقل والعرض، فمع غياب التنظيم لا يمكن أن تُصان هذه الأمور، بل تكون نُهبةً يتناهبها سباع البشرية كلٌ لا يدخر جهداً في الولوغ فيما أمكنه من ذلك، وقد يُظنُّ حَمَلاً وديعاً من لم يحجزه عن الإفساد دينٌ ولا ضميرٌ، بل إنما انكفَّ خوف الوقوع تحت حساب العدالة، ولو وجد فرصة لتحول سبعاً ضارياً، كما قال عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه : "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".
الثانية: تدور وفرة المصالح مع التنظيم وجوداً وعدماً، فمتى ساد النظام وجدت، ومتى عُدم عُدمت، وهذه سنة كونية أجرى الله عليها حياة عباده، وجعل من أسباب سداد الأمور الانضباط والانتظام وحكم الراعي على الرعية، كما ربط بقية الأسباب بالمسببات، ولو شاء لأجرى هذه المسببات على غير سبب، لكن له حكمة بالغة فيما فعل، {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}، وقد خضع العقلاء لهذه الحكمة فأُلهموا الأخذ بالأسباب، وأتوا بيوت مآربهم من أبوابها ولم يأتوها من ظهورها، وقد أتى البيت من ظهره من يحب السلامة والطمأنينة ودرور الرزق وصيانة الممتلكات والأعراض والانتصاف من المتعدي، ثم يستثقل ما لا يتم غرضه إلا به وهو وجود من يأمر وينهى، ويحل ويعقد، وينصف بعض الناس من بعض، وهل من يتمنى تلك المقاصد ويمتعض من هذه الوسيلة إلا مغفَّل يُحاولُ أن يجني العنبَ من الشوك؟ وهل أمنيته تلك إلا أضغاثُ أحلامٍ إن لم تتداركه نعمة الله ويستيقظ من نومة غفلته فسيعلم أي منهج خاطئ سلك ولات حين مناص.
الثالثة: تقتطف الأمة المسلمة هذه الأيام ثمرةً عظيمةً من ثمرات التنظيم وتوطد أركان الحكم، حيث يتوافد حجاج بيت الله الحرام من كل فجٍّ عميقٍ ومن شتى بقاع الأرض، وهم آمنون لا يخافون مِنْ تعكُّرِ صفو أدائهم لنسكهم؛ ولا أحدَ يُمكنه أن يشوش عليهم بأدنى أنواع التشويش، وذلك بحمد الله تعالى ثم بجهود هذه الدولة المباركة المملكة العربية السعودية، فمنذ أن توحد هذا الوطن الغالي تترقّى جهود الدولة في سبيل تنظيم هذا الموسم الأهم، وتُسخّرُ له من الإمكانات المادية والبشرية والمعرفية ما لا مزيد عليه، وتحشدُ أحدث الخدمات لهذا الغرض النبيل، فليحمد المسلمون -في مشارق الله ومغاربها- الله الذي منَّ عليهم بوضع هذه الأماكن المقدسة في هذه الأيدي الكريمة؛ ومن نظر إلى هذه النعمة بعين الغمط فقد أظهر للناس أنه ممن يكفر النعم ولا يشكرها.




http://www.alriyadh.com/1960515]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]