تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : دمعة غالية



المراسل الإخباري
07-24-2022, 08:28
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
بكاء الآباء ودموعهم من أغلى الدموع، فقد يبكي الأب شوقًا ليكون أبًا قبل أن يكون! وهي دموع الشوق لذريته، وقد يبكي حين يراهم لكن ألمًا إن أصيب أحدهم أو مرض أو غاب أو خوفًا عليهم وعلى مستقبلهم، تذرف دموع الآباء غالباً حيث لا يراها الناس..
الحديث عن الدموع عند كثير من الناس يعد من التفاهات الجانبية التي لا يصلح الحديث عنها في مجالس منادمة ذوي العقول والهيئات باعتبار أن الدمع يعبر عن حالة صادقة من الشعور بالضعف، لكنها لم تكن كذلك في أدبيات التنزيل الحكيم، فقد جاء ذكر الدمع معبرًا عن الاشتياق للحق وأهل الحق، والتوق إلى مرافقة أهل الحق «وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ».
وحق لنا أن نتحدث عن تلك الدموع، إذ لم تكن دموع قهر حين تذرفها العيون عجزًا عن رد الاعتداء والدفع عن النفس وأخذ الحق، فتتنفس الروح قهرًا من عينيها، وفي الحديث كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتعوذ من قهر الرجال لما فيه من ألم تتقاذفه أعضاء الجسم عجزًا عن رد الفعل فيخرج دموعًا مؤلمة، لكنها كانت دموع أولئك المتفكرين بالآخرة، الموقنين بلقاء أعظم وأجل محبوب سبحانه، فكيف لا تذرف العينان شوقًا للقائه وخوفًا من فواته، وتوقًا لجنته، وتوجسًا من ناره وعقابه؟
إذن هي دموع اختلط فيها الشوق والمعرفة والخوف والرجاء والتوجس، لا تستطيع النفس التحكم بها، فهي معبرة عن صدق الحال، وعظيم ما ذرفت لأجله، فليس هذا المحبوب مما يعوض إذا فات، ولا مما يغني عن بديل إذا أعرض، فما أقرب دموع المشتاقين إليه، وما أسرع سواجم السائرين إليه، فتجدها ساجمة إذا فاتها فرض أو نفل فأبطأ بها السير، ذارفة إذا عجزت عن المسارعة في الخير، مع أن محبوبهم قد عذرهم، وأنزل السكينة عليهم، تواسيهم وتعللهم «وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ». وما أليق ما قيل في وصف المشتاق بهم:
وَما في الأَرضِ أَشقى مِن مُحِبٍّ
وَإِن وَجَدَ الهَوى حُلوَ المَذاقِ
تَراهُ باكِياً في كُلِّ وَقتٍ
مَخافَةَ فُرقَةٍ أَو لِاِشتِياقِ
فَيَبكي إِن نَأى شَوقاً إِلَيهِم
وَيَبكي إِن دَنَوا خَوفَ الفِراقِ
فَتَسخنُ عَينُهُ عِندَ التَنائي
وَتَسخنُ عَينُهُ عِندَ التَلاقي
إلا إنهم ليسوا بأشقياء، بل إن دموعهم دموع الحب والسعادة والصدق والإخلاص.
هل رأيت أبًا يبكي؟ نعم، بكاء الآباء ودموعهم من أغلى الدموع، فقد يبكي الأب شوقًا ليكون أبًا قبل أن يكون! وهي دموع الشوق لذريته، وقد يبكي حين يراهم لكن ألمًا إن أصيب أحدهم أو مرض أو غاب أو خوفًا عليهم وعلى مستقبلهم، تذرف دموع الآباء غالبا حيث لا يراها الناس، لكن الله أظهرها من عيني يعقوب عليه السـلام إعلامًا وموعظة للبشر بمعنى الأبوة «وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ» فما أعظمها من دموع صادقة، وإن رأيت بجوارها دموعًا كاذبة فليست من المصادفة بل إن دموع الصادقين والمكلومين عادة ما تحوم حولها وتثيرها دموع الكذب «وَجَآءُو أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ» فسبحان الله حين تختلط الدموع ولا يشف عن حقائقها إلا ما في الصدور.
وأحرق من تلك الدموع دموع العقوق التي تذرفها العيون حسرة وألمًا على ابنٍ قضى الأب كل حياته يضحي لأجله ويسهر لراحته ويتعب لنعيمه لكنه يقابل كل ذلك بعقوقه، ونكرتنه وجحوده! ما أصعبها من دموع ربما نرى مثلها في التنزيل الحكيم إذا ما أفرغنا قلوبنا من شواغل التدبر، وتصورنا المشهد بحقيقته، ورأينا نوحًا عليه السـلام وهو في سفينته وقد أحاط بهم الماء العظيم من كل اتجاه، بينما يرى ابنه العاق في زمرة الهالكين، وهو على يقين أنه من المغرقين، ويلوح بيده رجاء الأب بر ولده «يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِين». ولك أن تتصور في هذه اللحظات وتشعر بحرقة دموع الفراق، فراق لا لقاء بعده، فنوح في الجنة، وابنه في السعير. هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/1962973]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]