تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مفكرون.. لكن..!



المراسل الإخباري
08-12-2022, 05:10
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
في وقتنا الحاضر بما له من متطلبات لم تعد تجعل الفرد يحيا تحت أغصان الشجر ويقتات التمر واللبن، وإنما الحضارة الحاضرة، والمادة أيضاً فرضت نفسها على كل بني البشر جعلت المبدع يستحق حياة أفضل ليسير مترجلاً في الساحة بمنتجه..
في ضوء رؤية صاحب السمو الملكي ولي العهد - حفظه الله - 3020 وجدنا هذا الحراك الثقافي والذي من ملامحه هو إبراز المثقف وتقدير دوره، وهذا واضح في الجوائز (جائزة العام لكبار المثقفين وللشباب ثم المسرح) والتي تصدرها وزارة الثقافة تحت قيادة معالي الوزير بدر بن عبدالله الفرحان من كل عام، وذلك للنهوض بدور الكلمة والاهتمام بالمثقف الحق الذي يحمل مشعل الوعي وخاصة في وقتنا الراهن.
فحينما نقيس انحدار ثقافة ما، سنجد أن السبب هو تحدر فكر مفكريها وكثرة مدعي الثقافة والفكر؛ حينها تتداعى جدرانها وبلاشك، فالثقافة معدية تنشر في العقول كانتشار الجذور للنبتة في عمق الأرض.
ومما لا شك فيه أن تحدر الفكر وتشعب الرؤى غير الناضجة، يرجعان إلى كثرة المدعين، والذين لم تعد مؤسساتهم تفرق بين الغث والثمين لكثرة الطفح المدعي والذي يصبح رأساً برأس مع المفكر الحق، بل يتطور الأمر إلى سحب البساط الفكري من تحت قامته السامقة، فالمدعون كثر والتخديم عليهم والاعتراف بهم أكثر، ولذا، كيف نعيب على ثقافة متدنية في يومنا هذا؟ ونحن لا نرى مفرزة تهتم بالمفكرين والمبدعين الذين أصبحوا الآن كإبرة في كوم قش.
يجب أن تكون هناك لجان كشفية سرية على غرار ما تفعله الوزارة في يومنا هذا الذين يجولون ويمحصون ثم يبرزون بدون الاتكاء على صانعي الهالات حول مدعين لا يرقى فكرهم لبناء دولة أو حتى مؤسسة!!
الأمر الآخر هو إهمال تلك الرؤوس الفاعلة والمبدعة، فإذا ما تابعنا أحوال جلهم في وطننا العربي فسنجد أنهم أفقر وأحوج خلق الله وفي ظل هذا وذاك نجدهم ينزوون متخذين من كرامتهم وعزة أنفسهم حصناً يأوون إليه لحفظ قاماتهم التي لا تنحني؛ فتترك الساحة فارغة لكل مدعٍ يعتلي المنصات النخبوية والإلكترونية والورقية، وهذا خطر داهم خلف وراءه هذا الكم من انتشار التشوش الفكري، والذي يسوق صاحبه إلى التصديق لنفسه فيصدقه الآخرون، وإذا ما طبقنا المعايير على إنتاجهم لوجدنا فراغاً هائلاً من الفكر والفكرة والعمق حتى مستوى الضحالة الراكدة تحت كل سطر يكتب.
لماذا ينتشر التنمر، والإقصاء، والتفكك الأسري وحتى العنف الذي بات ظاهرة؟ سنعاجل بالإجابة -إن سمح لي القارئ الكريم- ونقول إن المنتج الفكري لكل المدعين في جل المجالات والذي أصبح المال فيها بوابة نافذة لكل هذا الادعاء.
فالصفوة من الأدباء والمفكرين لا يذهبون إلا إلى عوالم تتفجر في أذهانهم مستعينة بالجاه والمال! بل هم من يخترقون فضاءات الأفق الرحبة التي لا يجتالها سواهم، فيهيمون في فلك محور الإبداع والخيال ونحت عوالم من طوع خيالهم النابض بالفلسفة والعمق الذي يحيا دهوراً متتالية، هذا هو مقياس المنتج!. يصلحون ما تفسده العقول البشرية اللاواعية فينهضون بأممهم ويصنعون تاريخها وحضارتها. فهل يعيشون متأملين فلا تفرغ جيوبهم ونحميهم من العوز؟! وهل يؤثر خواء الجيوب على إبداعهم؟ إن العوز لا يؤثر على العطاء الفكري وعلى الإبداع، وإنما الأثر الأكبر هو إهمال إبداعهم وعدم تقديره على المستوى المعنوي وحتى المادي وتلك هي المشكلة.
لقد رأينا عباقرة أغنياء، أمثال أحمد شوقي وجان راسين الذي يصنف من طبقة أصحاب الرداء، وتوفيق الحكيم ويوسف وهبي ومحمود سامي البارودي وغيرهم؛ ذلك أن منتجهم يقدر ويسطع في أفق رحب.
ومن هنا فلا نناقش أثر الفقر على الإبداع والعبقرية، وإنما نطرح التساؤل الجامح! لقد كانت الدول تتناحر على غصن الغار الذي ستكلل به مسرحية من المسرحيات في مسابقات عيد اللينايا في أثينابين الراخين (جمع أرخون وهي في مقام المحافظ في يومنا هذا) لأن المجد سيكون للمحافظة الفائزة، ولهذا تركوا لنا أثراً تقتات عليه باقي الثقافات حتى يومنا هذا!
أما في وقتنا الحاضر بما له من متطلبات لم تعد تجعل الفرد يحيا تحت أغصان الشجر ويقتات التمر واللبن، وإنما الحضارة الحاضرة، والمادة أيضاً فرضت نفسها على كل بني البشر جعلت المبدع يستحق حياة أفضل ليسير مترجلاً في الساحة بمنتجه، فلا تسود حالة من مُدَّعيِّ الثقافة وتسوَّد الصفحات بالخوار غير المحتمل.
لنذكر الشاعر والمسرحي نجيب سرور حينما قال أحد أصدقائه «عبدالعظيم قباصه» فيما سماه شهادة حق: - (أتغنى بموهبة نجيب سرور التي هي أكبر من قدرتي على النقد، ولكنني سأكتفي بمشهد يلخص القيمة الأهم في حياته: الرجل الموهوب المظلوم يعيش في شقة خاوية بميدان الجيزة، يعاني من مضاعفات مرض السل ولا يملك تكاليف العلاج، ولا يملك أي مصدر دخل ينفق منه على ابنيه وزوجته، يتلقى اتصالاً من مسؤول كبير بوزارة الإعلام يطلب مقابلته، فيسير من ميدان الجيزة حتى ماسبيرو لأنه لا يمتلك أجرة المواصلات، يقابل المسؤول فيقدم له عرضاً مغرياً، تأليف وإخراج خمس عشرة مسرحية لحساب التلفزيون المصري، على أن تكون كلها مسرحيات صيفية خفيفة تحتوي على أغانٍ ورقصات دون «كلام كبير» مما اعتاد عليه نجيب، نظير الحصول على خمسة آلاف جنيه عن كل مسرحية، فيكون رد نجيب سرور بمنتهى البساطة أن يغادر المكتب ويعود ماشياً لمنزله، ليموت بعدها بأشهر قليلة دون أن يترك لأبنائه أي شيء سوى سيرته الطيبة، ونزاهته التي يشهد بها العدو قبل الصديق). فيقول نجيب سرور:
الصمتُ ليس هنيهةً قبل الكلام،
الصمتُ ليس هنيهةً بين الكلام،
الصمتُ ليس هنيهةً بعد الكلام،
الصمتُ حرفٌ لا يُخَط ولا يقال..
الصمتُ يعني الصمتَ.. هل يُغني الجحيم سوى الجحيم؟!
وفي ذات يوم زارني شاعر كبير من بلد عربي آخر - أحتفظ بذكر اسمه - وكان يطلب مني أن أشتري مكتبته لكي يزوج ابنه! كيف؟ ودواوينه ومجلداته تملأ الدنيا ضجيجاً. وما أشبه أبياته بسابقيه حين يقول:
أمضي في الأسى وحدي
وليل الصمت يطويني
وأشرب خيبة الكلمة
ويمضي حتى يقول: أهانوا عِفّة الكلمة.




http://www.alriyadh.com/1966167]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]