المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معركة السلام والتعايش



المراسل الإخباري
08-13-2022, 03:31
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
البيوت المطمئنة هي التي تحل خلافاتها بالتفاهم والحب وبعد النظر، والدول المستقرة والمستمرة في الازدهار هي التي تجعل الحياد شعارها، وطاولة المفاوضات هي المكان المفضل لحل خلافاتها، مع الاستعداد الكامل لبناء القوة العسكرية الرادعة، والقوة الاقتصادية اللازمة لمواجهة جميع الظروف والاحتمالات..
يحكى أن زوجة شابة اشتكت كثيراً من سوء معاملة زوجها لها، صبرت عليه كثيراً فلم يأتِ الصبر بنتيجة، فما كان منها إلا أن تنتقم منه شرّ انتقام. طلبت العون من حكيم القرية لتصل إلى مبتغاها. تأمل الحكيم طلبها ووافق على مساعدتها بشرط أن تنتزع له ثلاث شعرات من ذئب حي وتحضرها له، وبعد جهد وبحث في الجبال المجاورة وجدت ذئباً يدخل إلى الغار ورأت جراء الذئب يرضعون من أمهم. أخذت الفتاة في اليوم الثاني صحناً فيه لحم وعظم، ووضعته في طريق الذئب إلى الغار. وجد الذئب الطعام فأكل منه وأطعم صغاره. استمرت الفتاة تطعم الذئب كل يوم حتى أنس بها وصارت تداعب صغاره وتمسح على رؤوسها، وامتدت يدها إلى الأم حتى اطمأنت لها، وعندها كان من السهل انتزاع ثلاث شعرات طلبها حكيم القرية منها. ذهبت إليه مسرعة وسلمته الثلاث شعرات، وطلبت منه أن يحقق طلبها. اندهش الحكيم من قدرتها على ذلك، وطلب منها أن تشرح له السرّ الذي مكنها من ذلك. قصت عليه ما جرى وكيف توددت إلى الذئب حتى اطمأن إليها واستأنس بها، حينها التفت إليها الحكيم وقال: استطعت أن تروضين ذئباً مفترساً بلا عنف أو حرب، فافعلي مع زوجك ما فعلت مع الذئب. من كتاب: (الرقص مع الحياة) لمهدي الموسوي.
الطريق إلى التعايش والسلام تواجهه عقبات ومصاعب جمة، وعلى جبهات كثيرة: سواء كان الطريق لبناء دولة، أو تكوين أسرة، أو إدارة شركة. معارك مع الفساد بنوعيه المالي والإداري، ومعارك مستمرة بين العاملين أنفسهم وأصحاب التخصص بشكل خاص، وحتى بين الساكنين في بيت واحد. معارك مع ثقافة المجتمع السائدة وما تحفل به من مثبطات كثيرة وتواكل. معارك بين الدول، خصوصاً الدول المتجاورة، وبين الدول الكبيرة والشركات العملاقة على الأسواق العالمية، ومراكز النفوذ على مستوى العالم.
خلق الله الإنسان، وأودع فيه الطيبة المتناهية، ونزعة الشرّ المتأصلة، وابتلي بالصحة والمرض، بالمحبة والإحسان للغير، والكره والعداوة لأتفه الأسباب. كل ذلك أودعه الخالق فينا لتستمر الحياة ويكون بعضنا لبعض خدماً وإن لم نشعر بذلك. فالسارق على سبيل المثال رغم إجرامه وسوء عمله يخلق ملايين الوظائف للنجارين والحدادين والبناة ومصانع تقنية المراقبة والإنذار وبناة السجون وحراسها، وهكذا مع كل حدث. كل ذلك يعني أن نتعايش مع الواقع الذي نعيشه سواء على مستوى الأفراد أو الدول، ولا يعني بأي حال الاستسلام لذلك، لكن نستمر في معالجة التحديات بحكمة وتعقل وبعد نظر ومن ذلك:
أولا: على مستوى الأفراد نجد أن غياب الصبر وبعد النظر والحب والتسامح من أهم أسباب الخلاف الذي يهدم البيوت ويسبب الطلاق، أو العيش مع الظلم والمعاناة وسوء المعاملة. الأسرة هي اللبنة الأولى لبناء وطن قوي، وهي النواة الصغيرة والمهمة للمجتمع. وهي السد المنيع ضد تفكك المجتمع وضعف العلاقة بين أفراده. ويمثل الطلاق أكثر عناصر هدمه. بل ومن أهم أسباب التنفير من الإقدام على الزواج من قبل الشباب من الجنسين. التعايش وقبول الاختلاف يجب أن يكون في صلب مناهجنا في كل مراحلها، وفي خطب الجمعة بين الحين والاخر.
ثانياً. من ينظر إلى الدمار الهائل الذي تخلفه الحروب، والمآسي الكثيرة التي تنجم عنها، يؤمن أن السلام والتعايش بين الدول يستحق كل ما يبذل في سبيله من جهد وصبر وبعد نظر. ومن يلقي نظرة سريعة إلى ما يحدث اليوم في أوكرانيا من دمار هائل بسبب الحرب القائمة بينها وبين روسيا، يعلم كم ستكون النتائج أفضل لو سعت كل من الدولتين لمنع وقوع الحرب، وتغليب حسن الجوار، وتفعيل التبادل السياسي والاقتصادي، والجلوس إلى طاولة المفاوضات لحل الخلافات وتقريب وجهات النظر، ومن مبدأ المصالح المشتركة. وهذا ينطبق على الأزمة الحالية بين الصين وجزيرة تايوان التي هي جزء من الأمة الصينية. بعض الدول ترغب في إشعال الحروب بين الدول لمصالح اقتصادية، وبعضها تريد الحرب لتخرج من مستنقع داخلي، وتوجيه أنظار الشعب البائس إلى الخارج، ومثل هذه الدول يجب تفادي الصدام معها بكل الطرق السلمية الممكنة.
في الحرب من السهولة أن يرسم القادة أفضل المسارات لكسبها، وتحديد وقت بدايتها، لكن مساراتها فيما بعد ستكون مختلفة عما خطط له، ومثل حرائق الغابات لا يعلم أحد نهاياتها، وفي أي الاتجاهات ستأخذها الرياح وتزيد من اشتعالها، وكيف ستتم السيطرة عليها.
البيوت المطمئنة هي التي تحل خلافاتها بالتفاهم والحب وبعد النظر، والدول المستقرة والمستمرة في الازدهار هي التي تجعل الحياد شعارها، وطاولة المفاوضات هي المكان المفضل لحل خلافاتها، مع الاستعداد الكامل لبناء القوة العسكرية الرادعة، والقوة الاقتصادية اللازمة لمواجهة جميع الظروف والاحتمالات.




http://www.alriyadh.com/1966282]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]