تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أدب الرسائل الحديث



المراسل الإخباري
08-16-2022, 04:31
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png قلما يندثر الأدب، كل أشكال الأدب تمددت وتطورت مع الوقت. اختار الأدب دائمًا أن يكون شاهدًا محايدًا على حقبه الزمنية، يتحدث بالأشياء التي تخلو من كتب التاريخ.
إنه يأتي ليكون الراصد الأوحد على المشاعر، في الأمن والحرب، في الثراء والفقر، في أوج الصراعات المجتمعية، وتغير الرغبات والعادات، وتمدن الحضارات والمدن والناس.
الأدب اليتيم المستثنى مؤخرًا من قاعدة الاستمرارية هو أدب الرسائل، أو المراسلات كما يحب أن يصفه أنصاره، تغير أشكال الحياة قاوم هذا التمدد، للأسف، أشياء مختلفة ساهمت في كسله وتراجعه؛ التقنية غالبًا هي المتهم الأول هنا وفي أشياء أخرى، لكن ما لم ننتبه له أن أشكال التواصل تبدلت، قلمت طرقنا الجديدة من لياقتنا في الكتابة والإرسال، من أطول اتصال هاتفي لأصغر إيموجي يغني عن ألف جملة.
الزاوية التي قد لا ننتبه لها، أن مفهوم البعد والمسافات اختلف، أو ربما تلاشى، أحب أن أصف هذا الأمر بقول: (انتهى زمن الانتظار). أي رسالة، مهما كان حجمها ومشاعرها لا تبعد إلا ثوانٍ محدودة. تغير كذلك بسبب هذا القرب مفهوم الاشتياق، التواصل المستمر -الذي يصل أحيانًا للالتصاق- حد من الدوافع.
المهتمون بهذا الأدب، يتذكرون جيدًا رسائل "كافكا" إلى حبيبته "ميلينا"، وكذلك ما كتبه "دوستويفسكي" لزوجته الميتة كرثاء، أو ما اشتهر في الزمن الحديث عربيًا بين غسان كنفاني وغادة السمان، وأنسي الحاج، ورسائل مي زيادة إلى جبران أيضًا. تحتاج الأغلبية إلى من يكتب بالنيابة عن مشاعرهم، حتى لو أني شخصيًا ضد هذه الفكرة، إلا أن هذا السبب الأوفر حظًا لمتابعة هذا الأدب لدى كثيرين.
أدق توصيف أميل إليه في الحديث عن الرسائل، أنها صادقة، كثير منها كتبت لتقرأ مرة واحدة، وقادها قدرها لتكون عامة للآخرين، المشاعر فيها على الأغلب مباشرة، وتعبر عن سياقاتها، وعند تتبع أي نموذج نجد التطور مع التقادم، سواء للأفضل أو للأسوأ، إلا أنها حقيقية.
في الجانب المتفائل ما زال قلة يكتبون، حتى مع تغير الطرائق والأدوات يفعلون، يحشون المنصات الرقمية بالكلمات، وينسونها مع انتهاء وقت تأثيرها، وأيضًا في ملاحظات الهواتف الذكية ومسودات التطبيقات الكثير من الرسائل المؤجلة، تنتظر موعد الإرسال، وقد تكون حبيسة إلى الأبد!
أظن أن الرسائل الرقمية قصيرة الكلمات، ومفرداتها تختلف عن الأدب القديم المألوف، وتسلسلها وزمنها وأوقاتها لا تنتمي إلى كل ما ألفناه عن التراسل في الماضي.. لكنها، تشبه وقتها وهذا هو الأساس. لا يمكن أن نجر معنا الأزمنة المنتهية، ولا أن نقفز للمستقبل، نريد أن نعيش الكلمات كما هي في مراحلها.
ولعلي أختم بنموذج مما كتبه "فرانز كافكا" إلى حبيبته الصحافية والمترجمة "ميلينا": "نصحتك بالأمس بعدم الكتابة إليّ يوميًا، ولا يزال هو ما أراه اليوم، وسوف يكون هذا خيرًا لكلينا. ومرة أخرى أعود إلى هذا الاقتراح اليوم، وفوق ذلك فإنني أطلبه بمزيد من الإلحاح؛ لكن أرجوك يا ميلينا ألّا تلتزمي بهذا الاقتراح؛ بل اكتبي إليَّ يوميًا. على الرغم من ذلك، قد تكتبين في اختصار شديد، رسائل أقصر من الرسائل التي ترسلينها إليَّ الآن، في سطرين فقط، أو سطر واحد، المهم هو أن حرماني من هذا السطر الواحد، سيكون معناه عذابي الرهيب!". والسلام..




http://www.alriyadh.com/1966768]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]