المراسل الإخباري
08-27-2022, 04:13
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
إحدى الجدليات التي يثيرها المهتمون بالتنمية والتطور هي: هل تحتاج التنمية إلى بناء فكري معرفي؟ ويبدو أن الفكر يسبق التنمية والصناعة وأي حراك اقتصادي وفني، والمجتمعات لا تتطور مادياً من الناحية الجوهرية إلا إذا بنت قاعدة فكرية عميقة مرتكزة على الفلسفة والعلوم الاجتماعية والعلوم البحتة..
الجدول الدراسي هذا العام حافل بالتجارب الجديدة خصوصاً مع تبني التعليم العام وكثير من الجامعات الحكومية والخاصة سياسة الثلاثة فصول التي لم أجد ما يبررها حتى الآن. وبما أن الأمر أصبح واقعاً، وإرباك البرامج الدراسية للجامعات أصبح أمراً لا مناص منه، لذلك فمن الأجدر أن نتحدث عن قضايا تؤرق التعليم وتحوله إلى عملية روتينية تفتقر إلى الإبداع والخيال، فالقضية أشد تعقيداً من مشكلة الفصلين أو الثلاثة فصول. ومع ذلك يجب ألا أربط بين القدرة على الخيال والتجارب المتضاربة في التعليم، فمن حيث المبدأ لا بأس من تجربة الثلاثة فصول لكن تجاهل قضايا أساسية أثارها البعض منذ عقود، مثل: افتقار الطلاب للتجربة العملية في التعليم، واختفاء ثقافة التعامل مع المشكلات، وبناء الأفكار والمشروعات الذهنية، مع تجاهل تدريب المعلم والارتقاء بقدراته، وإهمال مرافق التعليم، كل هذه تمثل خطوات أولى لبناء تعليم متطور، وبالتالي إهمالها يعني أن العملية التعليمية أصبحت من أجل أداء الواجب وليس من أجل إحداث تغيير حقيقي وبناء مجتمع مبدع ومبتكر.
ثمة اتفاق على أن فلسفة التعليم المعاصر لم تعد تعتمد على العقل التقليدي التلقيني ولا حتى على الاكتفاء بنقل المعلومات فقط بل أصبحت الركيزة الأساسية هي بناء المهارات المتعددة، حتى الآن لم ألاحظ أي تطور في المحتوي التعليمي الذي قد يحدث تغييراً فعلياً في الذهن الإبداعي ويحفز الخيال لدى الطلاب. في التعليم المعماري نواجه إشكالات أساسية تتركز حول مرونة الطالب في التفاعل مع المهارات الإبداعية، والمشكلة أن الإبداع يتطلب القدرة على رؤية غير المرئي والمنظور والغوص في جوهر الأشياء، ولا أعتقد أن طلابنا وطالباتنا تدربوا على مثل هذه المهارة، قد يذكر البعض أن الناس يولدون ويولد الإبداع معهم، وهذا لا شك فيه، لكن من صفات التعليم الناجح اكتشاف هذه المواهب وتنميتها على المستوى الجمعي، أي من خلال بناء فلسفة تعليم تولّد الإبداع على المستوى الجمعي ولا تستثني أحداً.
قبل عدة أيام كنت أراجع مسابقة تصميمية تتطلب بعض الخيال، ليس في عملية خلق الأشكال فقط، بل في فهم النصوص وإعادة تفسير التاريخ وفهم المغزى من أحداثه، ليس من خلال فهم الدروس التقليدية التي عادة ما يتحدث عنها المؤرخون بل من خلال القدرة على تحول الدروس الكامنة عملاً فنياً مرئياً قابلاً للتفسيرات.
يجب أن أقول: إن النتائج كانت مخيبة للأمل، إلى حد كبير، ولم أجد تفسيراً لخيبة الأمل هذه إلا كون تعليمنا لم يبنِ لدى هؤلاء مهارة الخيال الكافية التي تسمح لهم برؤية ما وراء الأشياء، وهي رؤية ليست خارقة أو غيبية بل مهارة يتعلمها الإنسان منذ الصغر من خلال عدم التسليم بما يراه وتعلّم كيفية طرح الأسئلة، أن تفكر فيما لم يفكر فيه الآخرون هو مكمن الإبداع، والوصول إلى هذه المهارة يحتاج إلى تعليم غير تقليدي وليس مجرد تبني برنامج الثلاثة فصول المربك من دون أي تغيير في محتوى وفلسفة التعليم.
إحدى الجدليات التي يثيرها المهتمون بالتنمية والتطور هي: هل تحتاج التنمية إلى بناء فكري معرفي؟ ويبدو أن الفكر يسبق التنمية والصناعة وأي حراك اقتصادي وفني، والمجتمعات لا تتطور مادياً من الناحية الجوهرية إلا إذا بنت قاعدة فكرية عميقة مرتكزة على الفلسفة والعلوم الاجتماعية والعلوم البحتة، والتطورات المادية التي لا ترتكز على الجوهر الفكري هي تطورات مؤقتة من الممكن أن تسقط في أي لحظة لأنها لا تنطلق من منبع وبنية المجتمع بل هي خارجة عنه. يشكّل التعليم في هذه الحالة مفصلاً أساسياً في تجديد الجوهر الفكري للمجتمع وإعادة ترميمه في حال أصيب بأي ترهل، وبالتالي فإن إصلاح التعليم الذي يتجاوز الشكليات يعتبر مطلباً وجودياً.
يمكن أن ألفت النظر هنا إلى أن ما أثارني هو هذا الجفاف في الخيال الذي لاحظته في المسابقة الفنية، ونحن هنا نتحدث عن مشاركين ممن تخرجوا من كليات عمارة وتصاميم، ويفترض أنهم تدربوا على الوصول إلى أنوية الأفكار وإعادة تشكيلها بأساليب متعددة. على أن ما صدمني هو أن المكون الذهني للمشاركين يبدو أنه تعود على إعادة إنتاج ما سبق رؤيته وما تعود العقل على مشاهدته، ولا أعتقد أن مجتمعاً يريد أن يلهم العالم ويساهم في تغيير عادات التفكير يستمر بهذه النمطية التعليمية، فحتى نكون مؤثرين يفترض أن نثور على تقاليد التعليم البالية ونبتعد أولاً عن اتخاذ القرارات الفردية في مسألة حيوية تمس كل فرد في المجتمع وتمس مستقبلنا جميعاً.
http://www.alriyadh.com/1968575]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
إحدى الجدليات التي يثيرها المهتمون بالتنمية والتطور هي: هل تحتاج التنمية إلى بناء فكري معرفي؟ ويبدو أن الفكر يسبق التنمية والصناعة وأي حراك اقتصادي وفني، والمجتمعات لا تتطور مادياً من الناحية الجوهرية إلا إذا بنت قاعدة فكرية عميقة مرتكزة على الفلسفة والعلوم الاجتماعية والعلوم البحتة..
الجدول الدراسي هذا العام حافل بالتجارب الجديدة خصوصاً مع تبني التعليم العام وكثير من الجامعات الحكومية والخاصة سياسة الثلاثة فصول التي لم أجد ما يبررها حتى الآن. وبما أن الأمر أصبح واقعاً، وإرباك البرامج الدراسية للجامعات أصبح أمراً لا مناص منه، لذلك فمن الأجدر أن نتحدث عن قضايا تؤرق التعليم وتحوله إلى عملية روتينية تفتقر إلى الإبداع والخيال، فالقضية أشد تعقيداً من مشكلة الفصلين أو الثلاثة فصول. ومع ذلك يجب ألا أربط بين القدرة على الخيال والتجارب المتضاربة في التعليم، فمن حيث المبدأ لا بأس من تجربة الثلاثة فصول لكن تجاهل قضايا أساسية أثارها البعض منذ عقود، مثل: افتقار الطلاب للتجربة العملية في التعليم، واختفاء ثقافة التعامل مع المشكلات، وبناء الأفكار والمشروعات الذهنية، مع تجاهل تدريب المعلم والارتقاء بقدراته، وإهمال مرافق التعليم، كل هذه تمثل خطوات أولى لبناء تعليم متطور، وبالتالي إهمالها يعني أن العملية التعليمية أصبحت من أجل أداء الواجب وليس من أجل إحداث تغيير حقيقي وبناء مجتمع مبدع ومبتكر.
ثمة اتفاق على أن فلسفة التعليم المعاصر لم تعد تعتمد على العقل التقليدي التلقيني ولا حتى على الاكتفاء بنقل المعلومات فقط بل أصبحت الركيزة الأساسية هي بناء المهارات المتعددة، حتى الآن لم ألاحظ أي تطور في المحتوي التعليمي الذي قد يحدث تغييراً فعلياً في الذهن الإبداعي ويحفز الخيال لدى الطلاب. في التعليم المعماري نواجه إشكالات أساسية تتركز حول مرونة الطالب في التفاعل مع المهارات الإبداعية، والمشكلة أن الإبداع يتطلب القدرة على رؤية غير المرئي والمنظور والغوص في جوهر الأشياء، ولا أعتقد أن طلابنا وطالباتنا تدربوا على مثل هذه المهارة، قد يذكر البعض أن الناس يولدون ويولد الإبداع معهم، وهذا لا شك فيه، لكن من صفات التعليم الناجح اكتشاف هذه المواهب وتنميتها على المستوى الجمعي، أي من خلال بناء فلسفة تعليم تولّد الإبداع على المستوى الجمعي ولا تستثني أحداً.
قبل عدة أيام كنت أراجع مسابقة تصميمية تتطلب بعض الخيال، ليس في عملية خلق الأشكال فقط، بل في فهم النصوص وإعادة تفسير التاريخ وفهم المغزى من أحداثه، ليس من خلال فهم الدروس التقليدية التي عادة ما يتحدث عنها المؤرخون بل من خلال القدرة على تحول الدروس الكامنة عملاً فنياً مرئياً قابلاً للتفسيرات.
يجب أن أقول: إن النتائج كانت مخيبة للأمل، إلى حد كبير، ولم أجد تفسيراً لخيبة الأمل هذه إلا كون تعليمنا لم يبنِ لدى هؤلاء مهارة الخيال الكافية التي تسمح لهم برؤية ما وراء الأشياء، وهي رؤية ليست خارقة أو غيبية بل مهارة يتعلمها الإنسان منذ الصغر من خلال عدم التسليم بما يراه وتعلّم كيفية طرح الأسئلة، أن تفكر فيما لم يفكر فيه الآخرون هو مكمن الإبداع، والوصول إلى هذه المهارة يحتاج إلى تعليم غير تقليدي وليس مجرد تبني برنامج الثلاثة فصول المربك من دون أي تغيير في محتوى وفلسفة التعليم.
إحدى الجدليات التي يثيرها المهتمون بالتنمية والتطور هي: هل تحتاج التنمية إلى بناء فكري معرفي؟ ويبدو أن الفكر يسبق التنمية والصناعة وأي حراك اقتصادي وفني، والمجتمعات لا تتطور مادياً من الناحية الجوهرية إلا إذا بنت قاعدة فكرية عميقة مرتكزة على الفلسفة والعلوم الاجتماعية والعلوم البحتة، والتطورات المادية التي لا ترتكز على الجوهر الفكري هي تطورات مؤقتة من الممكن أن تسقط في أي لحظة لأنها لا تنطلق من منبع وبنية المجتمع بل هي خارجة عنه. يشكّل التعليم في هذه الحالة مفصلاً أساسياً في تجديد الجوهر الفكري للمجتمع وإعادة ترميمه في حال أصيب بأي ترهل، وبالتالي فإن إصلاح التعليم الذي يتجاوز الشكليات يعتبر مطلباً وجودياً.
يمكن أن ألفت النظر هنا إلى أن ما أثارني هو هذا الجفاف في الخيال الذي لاحظته في المسابقة الفنية، ونحن هنا نتحدث عن مشاركين ممن تخرجوا من كليات عمارة وتصاميم، ويفترض أنهم تدربوا على الوصول إلى أنوية الأفكار وإعادة تشكيلها بأساليب متعددة. على أن ما صدمني هو أن المكون الذهني للمشاركين يبدو أنه تعود على إعادة إنتاج ما سبق رؤيته وما تعود العقل على مشاهدته، ولا أعتقد أن مجتمعاً يريد أن يلهم العالم ويساهم في تغيير عادات التفكير يستمر بهذه النمطية التعليمية، فحتى نكون مؤثرين يفترض أن نثور على تقاليد التعليم البالية ونبتعد أولاً عن اتخاذ القرارات الفردية في مسألة حيوية تمس كل فرد في المجتمع وتمس مستقبلنا جميعاً.
http://www.alriyadh.com/1968575]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]