المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البحوث العلمية بين المسموح والممنوع



المراسل الإخباري
09-01-2022, 06:43
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
لا ينبغي للجهات المعنية باستقبال البحوث العلمية وقبولها والإشراف عليها أن تسمح بأن تضخَّ أبحاثاً مكرورة في الواقع وإن ادعى مقدمها عكس ذلك، فالبحوث القليلة الجدوى تضع من قيمة الجامعة، وتحكم بعدم جدوى بقاء القسم العلمي..
للحضارة بنيانٌ لا يُحدُّ له سقفٌ، ولا يتقدّرُ بمساحةٍ نحصره؛ لأنه بُنيانٌ يُرادُ له أن يؤوي الأجيال على تعاقبها، وهو بناءٌ فريدٌ من نوعه، به تتجسّدُ حكمة الله تعالى في استعماره البشريةَ في الأرض، ومن أهم أسس الحضارة وأعمدتها وشرفاتها العلم، وهو خيرُ مثالٍ للصرح الذي لا يخلو يوماً من الأيام من بانٍ يُشيِّدُ ومُرمِّمٍ يُجدِّدُ، والاشتغال بتدوينه وتصنيفه ضاربٌ بجذوره في أعماق التاريخ، وقد تعددت الأغراض والأدوات المستعملة لذلك في كل عصر، وتبقى كل من الجدة والأصالة والابتكار ضالةً منشودةً لا يضع أحدٌ سوداء في بيضاء إلا ملتمساً لها، ولو في الأسلوب والقالب، ولم يزل البحث العلمي النافع ذا أهمية للبشرية، لكن لا تتساوى الأزمنة والظروف في مستوى الاحتياج إليه كمّاً وكيفاً ونوعاً، وهو اليوم ضروريٌّ لتقدم المجتمعات وازدهارها، ولي مع ذلك وقفات:
الأولى: الانضباط في اختيار موضوع البحث ومسائله بحيث لا يُتبنَّى فيه ما يُخالفُ الشرع ونظام الدولة؛ وذلك لأن المصلحة في المعاد والمعاش لا تتحقق بما يخرقُ النظام، بل هو مفسدةٌ محضةٌ، فانطواءُ البحث على المخالفات الشرعية والنظامية وعدم مراعاته لتوجه الدولة وسياساتها مفسدةٌ، وليس من حرية البحث في شيء؛ فالحرية لا تعني عدم الانضباط ورمي المعايير المصلحية وراء الظهور، ومعيار التزام البحث بالنظام لا تغفله الجامعات رأساً، بل تُقرِّرُهُ وتُقنِّنُهُ، وإنما الكلام على دِقَّتِها في تطبيق ذلك، وبعضها تضع للبحوث العلمية -مشكورةً- زيادةً على المجالس العلمية لجان فحصٍ ومتابعةٍ ومراجعةٍ، فتعمل هذه اللجان على ما من شأنه أن تكون هذه البحوث متوافقةً مع الشريعة والنظام، ولكن قد يقع نوعٌ من الإهمال في بعض الأحوال، فتصيب بعض هذه اللجان سِنةُ الغفلة، فيمضي من نقاط تفتيشها بعض البحوث دون أن تُضيء إشارة التوقف مع انطواء بعض هذه البحوث على أمورٍ تُسيءُ إلى دولتنا المباركة المملكة العربية السعودية، وليس هذا افتراضاً أرمي به مُجازفةً بل هو حقيقةٌ ماثلةٌ لم أكتب عنها إلا بعد الاطلاع على ما يجعلني أُفصحُ عنها علناً، ولا سيما أن معايير المسموح والممنوع متجددة إذ ترتبط بما انكشف من خطورة جماعاتٍ وأحزابٍ تستَّرت برهة من الزمن بستائر متنوعة، وكان منها المداهن والمتخفي وغيرهما، فلم يكن من السهل على الباحث تجنب كل مدسوساتها بمفرده ولا لعضو اللجنة أن يطلع عليها بمجرد التصفح، بل إنما تُستخرجُ بمنقاشٍ وهي من أخطر المدسوسات، وما دُسَّ بمكرٍ لا يُستخرجُ إلا بفكرٍ.
الثانية: لا يخفى أن البحوث العلمية التطبيقية المتعلقة بالعلوم الحيوية من طبٍّ ونحوه صارت روح الدولة المعاصرة، لكن قد يخفى على بعض الناس أن كل بحث علمي مُتقن في بابه فهو مُرشحٌ لأن يكون علاجاً ناجعاً لمعضلات معينة إما فكرية أو معنوية أو اقتصادية أو ثقافية، أو على الأقل يهيئ الباحث لنضوجٍ فكريٍّ واعتدالِ منهجٍ واستقامةِ نظرٍ يستطيع بها لاحقاً أن يُعتمدَ عليه في مواجهة التحديات الفكرية والمنهجية وغيرها، فعلى كل من الجهات المعنية والباحث إدراك أن مردود الجهد المبذول في البحث إن كان نافعاً فذاك نفعٌ مُشتركٌ عامٌ، ولا توجد تخصصات يليق ببحوثها العلمية أن يُمشى فيها بالهوينى ولا أن تصطبغ بالشكلية، فكما يستصحب الدكتور المشرف على بحثٍ طبيٍّ أن دقةَ البحثِ، وجودةَ تكوُّنِ الباحث ستنعكس على صحة وحياة الآخرين كذلك ينبغي أن يحضر مثل هذا الشعور عند المشرف على بحثٍ شرعيٍّ، فالعلم الشرعي الرصين حصنٌ منيعٌ من الأفكار الهدامة، وبقدر هشاشة العلم تكون خفة الإنسان أمام تيار الأفكار الدخيلة.
الثالثة: النظام صريح في اشتراط الجدة والأصالة والابتكار في البحوث، وهذه فرصةٌ للتطوير والإبداع، وهي مهمةٌ ثقيلةٌ كسائر المهام المثمرة، ولا ينبغي أن يتصور الباحث أن الثغر الذي يقف هيِّنٌ ليِّنٌ، فيعمد إلى تحسين قشوره مكتفياً بذلك، ومتصوراً أن أيَّ عنوانٍ لم يُسجّل فهو جديدٌ، وأن كل مصنفٍ لم يُكتب حوله فتناولُهُ بالبحث يُحقِّقُ له الجدة والأصالة والابتكار، ولا أن كلَّ فروقٍ بين بحثه المقترح وبين البحوث السابقة كافية للتجديد، فالمضامين والأسس العلمية إذا كانت متوازية في كثيرٍ من لُبِّها لم يكن للفارق الشكلي أهمية تُسوِّغُ تكرير الجهد، كما أنه لا ينبغي للجهات المعنية باستقبال البحوث العلمية وقبولها والإشراف عليها أن تسمح بأن تضخَّ أبحاثاً مكرورة في الواقع وإن ادعى مقدمها عكس ذلك، فالبحوث القليلة الجدوى تضع من قيمة الجامعة، وتحكم بعدم جدوى بقاء القسم العلمي، وأن وجوده لم يُضِفْ إلى المعرفة جديداً، وتقدح في جودته وإن ادّعى الجودة، وتُهدرُ الطاقة والموارد المبذولة له، وتشغل حيزاً من وقت الباحث والأساتذة لو استُغلَّ في غيره من المنافع لنفع.




http://www.alriyadh.com/1969487]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]