تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الأقسام العلمية بين الإبقاء والإلغاء



المراسل الإخباري
09-15-2022, 03:17
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
إنّ التغيير والتجديد ينبغي أن يدور مع المصلحة وجوداً وعدماً، وألا يُلتفت في ذلك إلى الرغبات والأهواء الشخصية، التي تقوم على العاطفة والتعصب، والاتهام بالتخوين والمؤامرة، وأن القرار بعد التأكد من سلامته يفتقر إلى شجاعةٍ وقوةٍ وعزمٍ وحزمٍ..
وسائل الوصول إلى المقاصد على اختلاف أنواعها؛ لم تُوضع لتكون تفاصيلُها مُستدامة البتة، بل إنما وُضعت ليُستعان بها في تحقيق الأهداف، ولا تتم الاستعانة بها على الوجه الأكمل إلا إذا أفضت إلى المطلوب إفضاءً حقيقياً لا صوريّاً، وبأخصر الطرق ومن غير أن يُستغنى عنها بغيرها أو تتداخل في أغلب أجزائها مع وسيلةٍ أخرى مستعملة لنفس الهدف، فإذا تبين خلاف هذا فمن الحكمة أن يُعاد تكييفها على حسب المصلحة، وأن يمتلك صاحب الشأن روح المبادرة الكفيلة بعدم الاستمرار في طريقٍ يرى أن غيره أخصر منه وأفيد، وتجزئة الأقسام العلمية المتقاربة الأهداف من قبيل الوسائل المتهيئة بطبيعتها لأن يقع فيها التداخل؛ نظراً إلى تَكَوُّنِ بعضها من فنونٍ متآخيةٍ مشتبكةِ الأواصر، قد يعدها الناظر أنواعاً يستقلُّ كُلٌّ منها عن الآخر، ويراها غيره شُعَباً صنواناً، ومتى أظهرت التجربة واقعية إحدى الرؤيتين اقتضت المصلحة اعتمادها، فإن وسيلة التعلم والتعليم لم تزل في تطورٍ وتجديدٍ على حسب المصالح، ولي مع قرار دمج بعض الأقسام وقفات:
الأولى: الكلية المتضمنة للكتاب والسنة تسع مظلتها كثيراً من التخصصات الدينية المتشعبة من دعوةٍ وثقافةٍ إسلاميةٍ ونحوها؛ لأن المنبع الذي تتغذى به هذه التخصصات هو الكتاب والسنة، وهما المرجعان لكُلِّ باحثٍ في هذه العلوم، ولا مخرج له عنهما، والمطلوب منه أن يستثمر نصوصهما وما استنبط منها من مبادئ وقواعد في تقريب وسائل الدعوة وتطويرها وتقويم العاملين في مجالها، والدفع في نحور المنحرفين المتسورين عليها، فالأولى بقاء تخصصات الدعوة والثقافة الإسلامية ونحوها تحت مظلة كليةٍ تُعنى بالوحيين الكتاب والسنة، لا أن تفردَ وحدها في كليةٍ مستقلةٍ، ودمجُ بعضها في بعضٍ ما أمكن الدمج، أما فصلها عن هذه المظلة فلا تتوقف عليه المصلحة المعرفية، بل قد ينعكس سلباً بأن يُخيَّل إلى بعض دارسي الدعوة مثلاً أن إتقانه لتخصصه لا يستدعي مزيد العناية بعلوم القرآن وعلوم الحديث، بل هما من المواد الداعمة للتخصص لا من صُلبه، وهذا تصورٌ خاطئٌ.
الثانية: الفقه من التخصصات الشرعية التي وُجِدَ لها من مقومات الاستقلال ومقتضِياته ما يُوجبُ ذلك، فالوحيان أصلُ كُلِّ ما سواهما من علوم الدين، وتختلف كمية الاستنباط منهما من علمٍ إلى علمٍ، والفقه أوسع ما استُنبط منهما؛ فلهذا كان استقلال كلية الشريعة رأياً لا يُعدلُ عنه، فلها خصوصياتٌ متنوعة تجعل استقلالها بمظلتها أمراً مُهمَّاً، ومن تلك الخصوصيات ما استقرّ للفقه الإسلامي من توطيد أركانه على مذاهبَ دأب العلماء على العناية بتراث أئمتها جيلاً بعد جيلٍ، فرويت أقوالهم وفتاواهم، وتُوجدُ فتاوى وآراء لا يُستغنى عن الاستفادة منها تبناها بعض فقهاء الأمة من غير المنتسبين إلى المذاهب المشهورة، وقُعِّدَتْ لذلك أصولٌ وقواعد وضوابط من خلالها استطاع فقهاء كل عصر تخريج النوازل المتجددة على فقه الأئمة، وطالب الفقه هو أول المحتاجين إلى معرفة الكتاب والسنة، لكن في تخصصه تفاصيلُ وتفريعاتٌ تجعله بحاجةٍ إلى الكثير مما استُنبط من الوحيين، وفي الوقت نفسه يجد في كثيرٍ من دواوين الفقه كثيراً مما يحتاج إليه من الأدلة، وتخصصه الفقهي ما زالت الحاجة ماسةً إليه في عبادات الناس ومعاملاتهم وأنكحتهم، وبه قوام حياتهم، ناهيك أن الفقه هو المؤهِّلُ للقضاة والمحققين وكتاب العدل ليقوموا بدورهم المحوري في المجتمع، وإعطاء كُلِّ ذي حقٍّ حقه، وإنصاف الناس بعضهم من بعض، والمجتمع لا يستغني عن مخرجاته، ولا يوجد سدٌّ منيعٌ أمام أهل الأهواء كالفقيه الراسخ المتمكن في فهم أسرار التشريع.
الثالثة: أن تشقيق التخصصات المتقاربة بصورةِ أقسامٍ متعددة ينتج عنه نتائج عكسية كاستنزاف المال العام لأقسامٍ لا داعي لاستقلالها، وشغل الأساتذة والدارسين بمسائل شكلية ضاقت دائرتها بسبب التشقيق، وما كان لها أن يُركَّزَ عليها لولا أن التفريعات المتكلَّفة أفضت إلى ذلك، والمسائل الشكلية لا تبني باحثاً كفئاً، وكوقوع البحث العلمي ضحية لذلك، بحيث صارت بعض الموضوعات عرضة لتكرار خفيٍّ يتبادر أنها مختلفة وعلى هذا الأساس تُعتمد، واختلافها الشكليُّ لا يُثري المعرفة، بل يبقى تنوعاً صوريّاً أضفى على البحث الثاني صِبغةَ جُدُودَةٍ شكليةٍ، فيصبُّ في قالب التخصص الآخر مع بعض التغييرات التي لا تمنح أصالة وجِدَّةً وابتكاراً، هذا نمطٌ من ضعف البحث، وهناك نمطٌ آخر يعمد إليه بعض الباحثين يُظهر اضطرار الباحثين إليه سلبيةَ التفاريع المستكثرة، وهو الإيغال في محاولة التجديد، لكن في شيءٍ لا أثر له في تخصصه.
وأخيراً: أن التغيير والتجديد ينبغي أن يدور مع المصلحة وجوداً وعدماً، وألا يُلتفت في ذلك إلى الرغبات والأهواء الشخصية، التي تقوم على العاطفة والتعصب، والاتهام بالتخوين والمؤامرة، وأن القرار بعد التأكد من سلامته يفتقر إلى شجاعةٍ وقوةٍ وعزمٍ وحزمٍ.




http://www.alriyadh.com/1971931]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]