تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ضع نقطتك



المراسل الإخباري
10-15-2022, 03:30
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png عندما كنا نحدّث أبي –حفظه الله– في أي موضوع، ويشعر أن نقاشنا فيه قد طال، أو انعطف إلى حيث السأم، والملل، يطلق عبارته التي اعتدنا عليها: «ضَع نقطتك»، إشارة إلى أن الحديث قد تشعّب، ولا بد من ختمه، والانتهاء منه، وكان بعضنا في بادئ الأمر يستغرب من هذه العبارة، أو يرى فيها شيئاً من التحذير والتوبيخ في آن؛ لأنها تمنع من الاستمرار أو الاستطراد، وبخاصة لدى الذين يجدون في السرد متعة عند حديثهم، أو كلامهم.
وهكذا هي وظيفة النقطة في (علامات الترقيم) كما تعلمناها وعهدناها، فليست هي شكلاً عابراً، أو هامشياً فحسب، بل هي قيمة جمالية ووظيفية في الوقت نفسه؛ ولذلك كنا نعلّم طلابنا في قاعات الدرس أن النقطة هي علامة مهمة من علامات الترقيم توضع عند الانتهاء من الكلام إذا حصلت بها الفائدة، وحَسُن السكوت عليها، سواء أكان الكلام طويلاً أم قصيراً، فهي نهاية الطريق، أو الحد الذي ينتهي عنده الشخص، ويقف عليه، فهي لا محالة آتية، ومحتاج إليها بوصفها وسيلة ختم وإقفال، وكأنها باب يوصده صاحبه عندما ينتهي من غرضه، ويفرغ من عرضه.
وكم نحتاج اليوم إلى وضع نقطة في نهاية كل شيء، ليس في حديثنا، أو كلامنا، أو خطاباتنا، بل حتى في سلوكياتنا، وتصرفاتنا، وعاداتنا، ومشاعرنا، فليس من المعقول أن يظل الإنسان في لحظة غضب مستمر –مثلاً- دون أن يضع نقطته، وينتهي من هذا الشعور، أو أن يستمر الشخص في أجواء حزن دون أن يتناساها، ويتعداها إلى غيرها، فيتأقلم مع أنماط حياته، وظروف عيشه، أو أن يتمثل الفرح في كل تفاصيله دون أن يتوقف عند حد معين، أو أن يأكل، أو يشرب، أو يتريّض، أو يمشي، أو ينام، أو يلعب، أو يتنزه، أو يقرأ، أو يكتب، أو نحو ذلك، دون أن يكون له أمد محدود، ونهاية معلومة، وإلا لطال بالإنسان التعب، والضجر، ولأصبح الأمر معه ضرباً من العبث، واللهو الذي لا طائل من ورائه.
إننا بحاجة اليوم إلى أن نعيد صياغة النقطة؛ لنخرج بها من عالم الإملاء، وفضاء اللغة، وميدان الكتابة إلى بلاغة الحياة، وشعرية السلوك، وأدبية العادات والتصرفات، فالبلاغة الإيجاز دون خلل أو ملل، وهي كما يقول البلاغيون (لمحة دالة) أي أنها ينبغي أن لا تخرج عن المراد، ولا تنأى عن المرام، وليس هذا في الكلام، أو الحديث، أو الخطاب فحسب، بل في مختلف صنوف التعامل؛ لهذا ينبغي أن يكون الإيجاز أسلوب حياة، لا أسلوب كتابة فحسب، وهكذا النقطة فإنه لا بد من وضعها عند نهاية كل حديث، أو عمل، سواء أكان وضعها حقيقة أم مجازاً.
وهنا أعود إلى (نقطة أبي) لأذكر بقيمتها، وأهميتها في كل سياق، فكم نحتاج إلى نضع نقطتنا عندما توشك النهايات أن تكتمل، وربما احتجنا إلى نذكّر غيرنا بوضع نقاطهم عندما تطول أحاديثهم، أو يستطرد لديهم سنن القول، أو الفعل، ومن هنا يكون وضع النقطة الحقيقية مبدأ جمالياً، كما يصبح وضع النقطة المعنوية (المجازية) أمراً مهماً في ضبط كل شيء، فلكل كلام نقطته، ولكل فعل نقطته، وعلينا أن نمتثل ونتقبّل كل من يقول لنا: «ضع نقطتك».




http://www.alriyadh.com/1977322]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]