تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الثبات على الهدف



المراسل الإخباري
10-20-2022, 03:18
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
الثبات على العمل والتركيز على نوع من المعارف والمحافظة على العلاقات أمورٌ مطلوبةٌ لا تتعارض مع تنويعها وتوسيع آفاقها، فكم من محافظٍ على مُهمٍّ من تلك الأمور معتنٍ بمهمات أخرى، لم تحجب عنايته بهذا عنايتَه بتلك..
ما من مأربٍ في المعاش والمعاد إلا ويتوقف الوصول إلى نتائجه المرجوة على تحمُّلِ طالبه لمشقةِ الثبات على الهدف، فمن ثَبَتَ وثابر فحريٌّ بنيل الرغائب، فثباته أُولى مراحل التوفيق والتيسير، وعدم تشَتُّتِ جهوده هنا وهناك علامةٌ على أنه يمشي على بصيرةٍ ورويَّةٍ، وتحاشيه الالتفات إلى من يُشكِّكُهُ في مسيرته، ويُثبِّطُهُ عن وجهته دليلٌ على أنه لا يُعيرُ سمعه لإملاءات المتدخلين، ولا يستنسخ تدبيره وتخطيطه من أهواء الآخرين، والعكس بالعكس فلا يُحالفُ النجاح من أعوزه الثبات، واستولى التذبذب على تصرفاته، فكان ولَّاجاً خرَّاجاً، يُجرِّبُ سبباً فإذا لم يعاجله أثره تركه، ويُؤسِّسُ فإذا امتد البناء فترةً قبل الاكتمال تبرَّم فنقض ما بنى، ويغرس ويستطيل الأمد فيُهمِلُ غرسه ليذبل، ويتوهم الجدوى في الطريقة التي لم يسلكها بعد، ويتَّهم كل الطرق التي مرَّ بها من قبل بأنها متوجهةٌ عكس ناحية الهدف، ويسمع كلاماً مرتجلاً مضمونه التثبيط فيُشرب في قلبه صدقَ قائله، ويغضُّ الطرف عن تجارب الناجحين بالتركيز على عثرات المتعثرين، ولي مع الثبات وقفات:
الأولى: من أهمية الثبات الدالة على أنه محور الفوز أن مصلحة المعاد جميعها متوقفة عليه، فمنه ما لا يصلح المعاد إلا به وهو الثبات على كلمة التوحيد؛ ولأهمية الثبات عليها امتنَّ الله على عباده المؤمنين بتثبيته لهم بها، فقال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}، ومن الثبات ما هو مسنونٌ، وهو الثبات على العمل الصالح الذي يتنفل به العبد، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ»، أخرجه مسلم، ومن الأهمية بمكان أن يكون للعبد عمل صالح يُواظبُ عليه، وقليل من العمل الدائم أفضل من الكثير المتقطع الذي يتخلى عنه صاحبه، وهذا الدوام لا يُطيقه إلا المتمسك بالسنة البعيد عن طرفي قصد الأمور التفريط والإفراط، أما التفريط فواضحٌ أن المفرط لا يُواظبُ على صالح، وأما الإفراط فلأن الغلو تكلُّفٌ وتحميلٌ للنفس ما عسى أن لا تدوم عليه لعجزها أو مللها، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ الْجَنْةَ أَحَدًا عَمَلُهُ ". قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "وَلاَ أنَا، إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي الله مِنْهُ بِرَحْمَةٍ، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى الله أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ)، فجمع بين الأمر بالتسديد والمقاربة وبين التنبيه على أفضلية العمل الدائم، قال بعض أهل العلم: "لأنه مع القصد يُمكنُ الدوام على الطاعة، فيتصل الأجر ويكثر الثواب، ومع الغلو يُمكنُ العجز والإعياء والملل فيقطع الجزاء".
الثانية: الثبات على العمل والتركيز على نوع من المعارف والمحافظة على العلاقات أمورٌ مطلوبةٌ لا تتعارض مع تنويعها وتوسيع آفاقها، فكم من محافظٍ على مُهمٍّ من تلك الأمور معتنٍ بمهمات أخرى، لم تحجب عنايته بهذا عنايتَه بتلك، يُسدِّدُ ويُقاربُ ويُوازنُ، ولا يخلق من التنوع الإيجابي تضاداً وتناقضاً، فهو لا ينسخ جهوده السابقة باللاحقة، بل يستثمرهما معاً، وهذا بعكس صنيع المتذبذب بين الأعمال والمواقف والآراء والعلاقات بحيث لا يستبقي المنتقَل منه، ولا يُنجز في المنتقَل إليه، فتذبذبه هدَّامٌ لما يبنيه، ولا يعدو أن يكون منشؤه محاولة التغطية على الإخفاق، فكأن المتذبذب إذا أحسَّ بالملل من عمله أو عجز عن أعباء سلوك جادّة الحياة المستقيمة، خدع نفسه بإيهامها أنه بصدد اتخاذ قرارٍ مناسبٍ بابتداء مشروعٍ جديدٍ؛ ولهذا قد ينخرط في عملٍ يتطلب مجهوداً أكبر بعد انقطاعه وعجزه عن عملٍ أيسر بكثير، ويتحاشى استشارة أهل نصحه العارفين بما يصلح وما لا يصلح، كما لا يطلب رأي أهل الخبرة في المجال الذي ينوي أن يُغامر فيه، ولو كان بصدد إصلاح المسيرة لكان انتقاله مبنياً على استخارةٍ لله تعالى وتخطيطٍ واستشارةٍ، ومحافظةٍ على المنجز.
الثالثة: أكثر الناس لا يُساعدُ الإنسانَ على الثبات على مواقفه، وتتنوع أغراضهم الداعية إلى محاولة التشويش على الآخر، وأكثرها شيوعاً الحسد، وأكثر ما يقضُّ مضجعَ الحسود إقبال محسوديه - أفراداً أو شعوباً أو دولاً - على أمورهم وشقِّهم طريق النجاح، فلا يتوانى في عرقلتهم مهما أمكن، ومن الأغراض الداعية إلى التشويش على السائر في درب العمل والنجاح التمصلح بعرقلته، فقد يُحاولُ بعض الناس استغباء غيره، فيعمل على أن يثنيه عن المضيّ قدماً في نهج مصلحته، حتى لا تتزاحم مصالحهما، وإنما يلجأ إلى هذا من لا يعرف المنافسة الإيجابية، فيُخيَّلُ إليه أن نجاحه مرهونٌ بتعثُّر مصالح غيره، فيُشوِّشُ عليه في مسيرته، ولا يدري أن طريق النجاح فسيحةٌ تَسَعُ الجميع.




http://www.alriyadh.com/1978205]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]