تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : روح العمل



المراسل الإخباري
10-27-2022, 08:59
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
إذا كانت روح العمل كروح الحي يحيا بمقارنتها له، ويكون كالميت إذا لم تقارنه أو قارنته ثم فارقته، فلا بد من التمييز بين العمل الحيِّ والنافق، ومن لم يُميز بينهما اغترَّ بكثيرٍ من البهرج الذي تعجُّ به الحياة..
لكل عملٍ روحه التي تسري فيه سريان الروح في البدن، وبحالها يكون اعتبار حال العمل، فإن كانت من جنس ما يُعقبُ حمداً كان العمل محمدةً، وإن كانت مما عاقبته مذمومة كان العمل مذمّةً، وقد تكون خالية من الاعتبارين فلا يتصف العمل - بشكلٍ خاص - بمدحٍ ولا ذمٍّ، ولو كان غير خالٍ من أحدهما باعتبارات أخرى، والحكيم من يتفقد أعماله ويتفحصها؛ ليستبين جريانها على الوجه اللائق، ويُحاسبُ نفسه على ما قصر فيه من ذلك، وكلما أحسَّ بخللٍ بادر إلى تلافيه، ويربَأُ بنفسه عن أن يكون عمله حسن المظهر فاسد المخبَر، والمتهاون من يعتدُّ من الأمور بأشكالها، ولا تعنيه حقائقها، ولا يُبالي على أيِّ وجهٍ قلَّب صنيعه كأن الغاية في نظره التصرفات الصورية البحتة، وأسوأ منه حالاً من يتعمد غشَّ الناس بالمظاهر الزائفة التي يكمن من ورائها تلبيسٌ وتلاعبٌ بالحقائق، وهو يعي أنه يشغلهم بالباطل، ويُثبطهم عن الحق، ولي مع روح العمل وقفات:
الأولى: قوة روح العمل الصالح المتعبد به جمع صاحبه المسلم بين اتباع السنة وإخلاص النية، فإذا كان كذلك فهو الهدف الأسمى الذي فيه يتنافس المتنافسون، فمن تحرى في عمله أن يكون هكذا فقد تحرى المعيار الشرعي الذي يُفضي الوفاء به إلى عدم الانحدار إلى التفريط، وعدم المروق إلى الإفراط والغلو، ومن وزن به عمله كانت أحواله كلها ميمونة عليه؛ فهو إما عاملٌ وإما محافظٌ على ما تتقوّم به العبادات من صحةٍ ومالٍ وغيرهما ينوي بذلك التقوي على العمل والاستجمام له، وهو مُثابٌ على كلا الأمرين، كما قال معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: (أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَأَقُومُ وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي مِنَ النَّوْمِ، فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي، فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي) أخرجه البخاري، وإذا أنفق من هذه حاله فمأجورٌ لجريانه على وجه السداد، (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً)، وإذا أمسك فمأجورٌ مُتبعٌ للتوجيه النبوي العظيم: (وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ)، متفق عليه،
فلسلامة روح عمله يُؤجرُ على القيام والنوم، وعلى الإنفاق والتوفير، وقلّ مثل هذا في سائر أنواع التصرف والكفّ، وما كان هذا ليتمَّ بغير هذه الطاقة العظمى (قوة الروح).
الثانية: إذا اعتلَّتْ روح العمل أو نُزعت لم يكن لصورته أي اعتبار، ولن تنتج عن تضخم صورته أية نتيجة إيجابية، بل يُعطي نتائج معاكسة لما يُرجى منه - إن كان ثمّ رجاء -، فربما أجهد صاحبه نفسه، فكان ذلك وبالاً عليه، كما ورد في صفة الخوارج أنهم «قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، رَطْبًا لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ» متفق عليه، فلاعتلال روح عمل المبتدع يكون المتحري للسنة باقتصاد أحسن حالاً من المبالغ في التعبد بالبدعة، وقد قال بعض الصحابة - رضوان الله عليهم -: «اقتصادٌ في سبيلٍ وسنةٍ خيرٌ من اجتهادٍ في خلاف سبيلٍ وسنةٍ»، بل إن المتهاون الواقع في المعاصي المسرف على نفسه من غير اعتناق بدعةٍ أقرب إلى المصير إلى برِّ الأمان من المتعبد بزعمه الغالي في عملٍ مبتدعٍ منزوع الروح، ولا يُستغربُ ذلك؛ فإن البدع يدعو بعضها بعضاً، ولا يقف المبتدع عند حدٍّ معينٍ، والبدع الغليظة تُفضي بأصحابها إلى التلاعب بضروريات الشريعة بشكلٍ يعود عليها بالضرر البالغ، والفساد المتعدي أسوأ من غيره.
الثالثة: إذا كانت روح العمل كروح الحي يحيا بمقارنتها له، ويكون كالميت إذا لم تقارنه أو قارنته ثم فارقته، فلا بد من التمييز بين العمل الحيِّ والنافق، ومن لم يُميز بينهما اغترَّ بكثيرٍ من البهرج الذي تعجُّ به الحياة، وقد يظن بعض الناس العمل المنزوع الروح من جنس المحمود؛ لتشابههما في الصورة، ولكن لا يُعوزُ البصيرَ التفريق بينهما؛ لأن المحمود لا يخلو من كون الفضيلة جزأ حقيقته الخفي، والمذموم فاقد لهذا الجزء الأهم، ومن نماذج ذلك ما يُظهرهُ المفسدون من البغاة وأهل الجرائم من مكابدة الأهوال وركوب المخاطر وتحمل المشقات الفادحة، فهذا قد يُظنُّ صبراً وإقداماً، لكنه بعيدٌ من ذلك؛ إذ الصبر لا بد أن تكون الفضيلة جزأ منه، فإذا خلا التحمّلُ من الفضيلة لم يكن صبراً، ولو تحلى هؤلاء بالصبر لَصَبَرَ أهل الجريمة على تحصيل الأموال بالطرق الشرعية، واستغنوا عن الانخراط في الجريمة، ولَصَبَرَ البغاة على ملازمة الجماعة فلم يشقوا عصا طاعتها، كما إن إلقاء هؤلاء بأيديهم إلى مهالك الجريمة والأهواء هروبٌ عن متطلبات الحياة المستقيمة، فلم يكن شجاعةً ولا إقداماً كما أن من تخلص من أعبائه بالانتحار لا يُعدُّ شجاعاً بل هو متهربٌ من الحياة.




http://www.alriyadh.com/1979452]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]