أأأأأأألجنوبي2005
06-22-2005, 04:37
كم نستشعر الحاجة الى ماضينا!
http://www.albayan.co.ae/albayan/culture/2003/issue162/photos/6.gif
في منطقة الخليج العربي بشكل خاص ثمة جيل يشعر بأن هنالك نداهة في رأسه وروحه تدعوه الى استدعاء ما لم يتبق لنا.. تلك الذاكرة القريبة القصية لبشر¡ ارواح اماكن¡ وروائح لم تعد وسيكون هذا الجيل جيلنا آخر من يحتفظ بها في الذاكرة في ذلك المكان الذي ولدنا فيه ثم توالدت عليه أزمنة¡ ارواح وروائح بينها وبين بقايا ماض نتذكره تندس قرون جديدة من الأزمنة لا سنوات ولا حتى عقود منها.
هذا الاحتياج الذي يدفعنا للتذكر والتلذذ بوجود آخر يتذكر وسط كل هذه الاندياحات من التحول للجيل الذي ولد بين بقايا زمن وبشائر زمن آخر سريع¡ فجائي¡ وانقلابي في دثره للذاكرة القريبة وتأسيسه لمستقبل حثيث لا علامة له الا حدوثه.
رواية «الحزام» للسعودي احمد ابو دهمان¡ وقد سبقتها بعدة اعوام رواية «نبع الرمان» للسعودي ايضاً¡ احمد الشويخات اعمال تسري في هذا الاسراء نحو الذاكرة التي تخشى النضوب.
«الحزام» لأحمد ابو دهمان كانت الرواية الاولى لكاتب سعودي يكتب باللغة الفرنسية وقد اثارت عند صدورها ردود فعل متجاوبة معها في الاوساط الادبية هناك ثم نقلت او ترجمت الحزام الى اللغة العربية عبر المؤلف نفسه وصدرت عن دار الساقي اللندنية بطبعتين في الاعوام 2001-2002.
يكتب احمد ابو دهمان بعذوبة ساحرة عن بلدته¡ اهله¡ الناس¡ الكلمات¡ ويعود الى نبعه الاول صافياً من اية شائبة معيداً للذاكرة براءة خالصة¡ وانسجام متوازن¡ وشعرية الشاعرية المعاشة وبين ثنايا كل هذا وذلك يسرب لنا نحن القراء ما الذي فعله العازل الحضاري المدني بين الكائن وكينونته المنسجمة معه¡ مع جذوره وبيئته ذلك النوع من السعادة التي اضعناها وربما الى الابد.
يأخذنا احمد الى قريته الواقعة على قمم جبال السروات في جنوب السعودية¡ ملتحفاً بما روته له امه عن «ان قريتنا كانت في البدء أغنية فريدة¡ تماماً كالشمس والقمر¡ وان الكلمات التي يمنحها الناس طاقة شعرية¡ تطير كالفراشات¡ بعضها¡ الاكثر غنى لونياً والاكثر جمالاً تطير بخفة لا مثيل لها¡ ولأن قريتنا هي بالتأكيد الاقرب الى السماء¡ فإن هذه الكلمات الشعرية تجد فيها افضل مكان للتباهي بمكنوناتها ولكي تضيء العالم.
كلنا شعراء¡ كانت تقول امي دائماً: الاشجار¡ النباتات¡ الزهور¡ الصخور¡ الماء.. اذ يكفي ان تصغي للأشياء لكي تسمعها تغني..
ليس فيما يرويه ابو دهمان عن بلدته اية فانتازيا في هذا الاطار¡ فبالفعل كانت معظم مجتمعاتنا الاصلية الصغيرة عبارة عن قبائل من الشعراء بالكلمة¡ والاحساس والعلاقة بما يحيطهم بل ان قاموس الحياة اليومية لذلك الجيل السابق كان قاموساً يحمل في رهافته احتراماً للاذن ولفن المخاطبة وطريقة الروي يثير ابو دهمان ذاكرتي¡ حناني¡ وحنيني الى زمن لم يبق منه سوى علامات قليلة من وجوه آخر من لم ينقرض بعد فيما اخذت التغيرات وليمتها من ارواحنا وازاحت تماماً جسور التواصل ما بين ذلك الجيل الذي سبقنا واجيال ابنائنا واحفادنا «الالكترونيين» و«الكارتونيين» في انتماءهم الثقافي العولمي.
يروي ابو دهمان الطفل روايته مقسماً اياهاً الى 12 قسماً وبمدخل وخاتمة لها في المدخل يذكر نسبه واصوله مذكراً بمقولة القرية «من لا يعرف نسبه لا يرفع صوته» ومقدماً لروايته التي كانت الصوت المكتوب لالقاء السلام على اوروبا.
عندما قرأت لأول مرة عن رواية يكتبها سعودي بالفرنسية وتنشر في باريس¡ توقعت في الحقيقة رواية اما ان تكون «كوزمبولوتينية» تجمع الشرق بالغرب او فلكلورية تقليدية تقدم لمجتمعاتنا بالصورة الكاريكاتيرية او النمطية اذ اننا في الاغلب اعتدنا ان تكون اعمالنا الادبية الفرانكفونية او الانجلوساكسونية ـ العربية في هذا الطراز¡ غير ان «الحزام» خيبت ظنوني لحسن الحظ ووجدت عملاً قريب الى القلب¡ دافئاً ومثيراً بأجوائه لشجوني الخاصة جداً باعتباري ابنة المكان الذي اندثر وهذه العولمة التي اجتاحتني منذ غادرت دنيا اهلي في اول صباي وحتى اليوم.
في الحزام¡ بيت¡ ام¡ اب اخوة واخوات من زيجات متداخلة¡ وهنالك حارس القرية الروحي (حزام) الشخصية الاوضح في تشبثها بحجر الطريق¡ وحجر البيت¡ وحجر الجبل «الرجل سكين¡ اليس كذلك¿ كله سكين: نظراته¡ افعاله¡ اقواله¡ وحتى نومه يجب ان يكون حاداً كالسكين سكين الرجل هي قلبه وعقله¡ حياته وموته¡ في حين لا يمكن ان نلوم المرأة على شيء» هذا هو حزام.
اما الاب الذي يمر كالنسيم عبر الرواية بأكملها¡ النسيم المحب فإنه يقول لابنه منذ البدء: «لكي تعرف امرأة بالفعل¡ عليك ان تراها بدلاً من ان تنظر اليها».
طقوس القرية من الختان¡ الى ذبح الذبائح¡ العلاقة بالحقول¡ حميمية المحبة والزيجات المتداخلة بين الاقارب كل ذلك يتحرك بسلاسة في اجواء رواية أبو دهمان دون افتعال أو تأطير فولكلوري لشظف العيش والعلاقة بالسفر والترحال الى المدينة¡ وتسلل المدينة بمؤسساتها الى القرية المستوصف الطبي¡ المدرسة¡ وما يجلبه المرتحلون عن القرية الى المدينة معهم من تحولات واشياء مادية في طريق العودة والزيارة الى القرية.
«أحدث افتتاح المدرسة انقلاباً على معظم القيم والتقاليد المتوارثة في القرية منعونا من حمل سكاكيننا وألزمونا بتقليم اظافرنا التي لم نكن نعلم بوجودها ولبس الاحذية¡ والاستحمام اكثر من مرة في الاسبوع اجبرونا على اطاعة اولئك الآتين من بلدان مجاورة¡ من مصر¡ سوريا والاردن».
هنالك الحب ايضاً في الحزام. قوس قزح العذب¡ والذي لن تتحقق ملامسته.
«وذات يوم قالت لي «قوس قزحي» انها ابصرت خيالي في ماء البئر شربت منه الى ان ايقنت بأنها شربتني بالكامل كان هذا الاعلان العاشق بداية جنوني الفعلي بحبها». المدرسة والمدينة وقسوة العيش فيها لعدد من الصبية ينتقلون لاكمال دراستهم فيها¡ تاركين وراءهم دفء القرية ومكتشفين لهذا العالم الجديد والمفاضلة ما بين المدينة والقرية يصف ابو دهمان اربعة رجال يغادرون في اتجاه العاصمة ويقول: «عندما يعود الاربعة الى القرية¡ يعودون اغنياء مادياً¡ معوقين في قيمهم واخلاقهم».
رواية الحزام لأحمد ابو دهمان سيرة¡ وذكرى واعتراف محبة وانتماء عميق يقدمه هذا الكاتب السعودي للعالم¡ وللعرب¡ وقبل كل شيء لحزام الذي يذكره في الخاتمة قائلاً له: «وأود اخبارك بأن كتابي سيصدر قريباً وهو يحمل اسمك لكن هذا الاسم تحول الى مؤنث في اللغة الفرنسية والحزام كما علمتنا يا حزام يكشف عن كل شيء¡ شاعرية النساء وكبرياء الرجال وزهوهم¡ وأنت يا ابتي حزام لم تخف عني شيئاً منذ ان عرفتك».
تحياااااااااااااااااتي
جنوووووووووووووووووووبي
http://www.albayan.co.ae/albayan/culture/2003/issue162/photos/6.gif
في منطقة الخليج العربي بشكل خاص ثمة جيل يشعر بأن هنالك نداهة في رأسه وروحه تدعوه الى استدعاء ما لم يتبق لنا.. تلك الذاكرة القريبة القصية لبشر¡ ارواح اماكن¡ وروائح لم تعد وسيكون هذا الجيل جيلنا آخر من يحتفظ بها في الذاكرة في ذلك المكان الذي ولدنا فيه ثم توالدت عليه أزمنة¡ ارواح وروائح بينها وبين بقايا ماض نتذكره تندس قرون جديدة من الأزمنة لا سنوات ولا حتى عقود منها.
هذا الاحتياج الذي يدفعنا للتذكر والتلذذ بوجود آخر يتذكر وسط كل هذه الاندياحات من التحول للجيل الذي ولد بين بقايا زمن وبشائر زمن آخر سريع¡ فجائي¡ وانقلابي في دثره للذاكرة القريبة وتأسيسه لمستقبل حثيث لا علامة له الا حدوثه.
رواية «الحزام» للسعودي احمد ابو دهمان¡ وقد سبقتها بعدة اعوام رواية «نبع الرمان» للسعودي ايضاً¡ احمد الشويخات اعمال تسري في هذا الاسراء نحو الذاكرة التي تخشى النضوب.
«الحزام» لأحمد ابو دهمان كانت الرواية الاولى لكاتب سعودي يكتب باللغة الفرنسية وقد اثارت عند صدورها ردود فعل متجاوبة معها في الاوساط الادبية هناك ثم نقلت او ترجمت الحزام الى اللغة العربية عبر المؤلف نفسه وصدرت عن دار الساقي اللندنية بطبعتين في الاعوام 2001-2002.
يكتب احمد ابو دهمان بعذوبة ساحرة عن بلدته¡ اهله¡ الناس¡ الكلمات¡ ويعود الى نبعه الاول صافياً من اية شائبة معيداً للذاكرة براءة خالصة¡ وانسجام متوازن¡ وشعرية الشاعرية المعاشة وبين ثنايا كل هذا وذلك يسرب لنا نحن القراء ما الذي فعله العازل الحضاري المدني بين الكائن وكينونته المنسجمة معه¡ مع جذوره وبيئته ذلك النوع من السعادة التي اضعناها وربما الى الابد.
يأخذنا احمد الى قريته الواقعة على قمم جبال السروات في جنوب السعودية¡ ملتحفاً بما روته له امه عن «ان قريتنا كانت في البدء أغنية فريدة¡ تماماً كالشمس والقمر¡ وان الكلمات التي يمنحها الناس طاقة شعرية¡ تطير كالفراشات¡ بعضها¡ الاكثر غنى لونياً والاكثر جمالاً تطير بخفة لا مثيل لها¡ ولأن قريتنا هي بالتأكيد الاقرب الى السماء¡ فإن هذه الكلمات الشعرية تجد فيها افضل مكان للتباهي بمكنوناتها ولكي تضيء العالم.
كلنا شعراء¡ كانت تقول امي دائماً: الاشجار¡ النباتات¡ الزهور¡ الصخور¡ الماء.. اذ يكفي ان تصغي للأشياء لكي تسمعها تغني..
ليس فيما يرويه ابو دهمان عن بلدته اية فانتازيا في هذا الاطار¡ فبالفعل كانت معظم مجتمعاتنا الاصلية الصغيرة عبارة عن قبائل من الشعراء بالكلمة¡ والاحساس والعلاقة بما يحيطهم بل ان قاموس الحياة اليومية لذلك الجيل السابق كان قاموساً يحمل في رهافته احتراماً للاذن ولفن المخاطبة وطريقة الروي يثير ابو دهمان ذاكرتي¡ حناني¡ وحنيني الى زمن لم يبق منه سوى علامات قليلة من وجوه آخر من لم ينقرض بعد فيما اخذت التغيرات وليمتها من ارواحنا وازاحت تماماً جسور التواصل ما بين ذلك الجيل الذي سبقنا واجيال ابنائنا واحفادنا «الالكترونيين» و«الكارتونيين» في انتماءهم الثقافي العولمي.
يروي ابو دهمان الطفل روايته مقسماً اياهاً الى 12 قسماً وبمدخل وخاتمة لها في المدخل يذكر نسبه واصوله مذكراً بمقولة القرية «من لا يعرف نسبه لا يرفع صوته» ومقدماً لروايته التي كانت الصوت المكتوب لالقاء السلام على اوروبا.
عندما قرأت لأول مرة عن رواية يكتبها سعودي بالفرنسية وتنشر في باريس¡ توقعت في الحقيقة رواية اما ان تكون «كوزمبولوتينية» تجمع الشرق بالغرب او فلكلورية تقليدية تقدم لمجتمعاتنا بالصورة الكاريكاتيرية او النمطية اذ اننا في الاغلب اعتدنا ان تكون اعمالنا الادبية الفرانكفونية او الانجلوساكسونية ـ العربية في هذا الطراز¡ غير ان «الحزام» خيبت ظنوني لحسن الحظ ووجدت عملاً قريب الى القلب¡ دافئاً ومثيراً بأجوائه لشجوني الخاصة جداً باعتباري ابنة المكان الذي اندثر وهذه العولمة التي اجتاحتني منذ غادرت دنيا اهلي في اول صباي وحتى اليوم.
في الحزام¡ بيت¡ ام¡ اب اخوة واخوات من زيجات متداخلة¡ وهنالك حارس القرية الروحي (حزام) الشخصية الاوضح في تشبثها بحجر الطريق¡ وحجر البيت¡ وحجر الجبل «الرجل سكين¡ اليس كذلك¿ كله سكين: نظراته¡ افعاله¡ اقواله¡ وحتى نومه يجب ان يكون حاداً كالسكين سكين الرجل هي قلبه وعقله¡ حياته وموته¡ في حين لا يمكن ان نلوم المرأة على شيء» هذا هو حزام.
اما الاب الذي يمر كالنسيم عبر الرواية بأكملها¡ النسيم المحب فإنه يقول لابنه منذ البدء: «لكي تعرف امرأة بالفعل¡ عليك ان تراها بدلاً من ان تنظر اليها».
طقوس القرية من الختان¡ الى ذبح الذبائح¡ العلاقة بالحقول¡ حميمية المحبة والزيجات المتداخلة بين الاقارب كل ذلك يتحرك بسلاسة في اجواء رواية أبو دهمان دون افتعال أو تأطير فولكلوري لشظف العيش والعلاقة بالسفر والترحال الى المدينة¡ وتسلل المدينة بمؤسساتها الى القرية المستوصف الطبي¡ المدرسة¡ وما يجلبه المرتحلون عن القرية الى المدينة معهم من تحولات واشياء مادية في طريق العودة والزيارة الى القرية.
«أحدث افتتاح المدرسة انقلاباً على معظم القيم والتقاليد المتوارثة في القرية منعونا من حمل سكاكيننا وألزمونا بتقليم اظافرنا التي لم نكن نعلم بوجودها ولبس الاحذية¡ والاستحمام اكثر من مرة في الاسبوع اجبرونا على اطاعة اولئك الآتين من بلدان مجاورة¡ من مصر¡ سوريا والاردن».
هنالك الحب ايضاً في الحزام. قوس قزح العذب¡ والذي لن تتحقق ملامسته.
«وذات يوم قالت لي «قوس قزحي» انها ابصرت خيالي في ماء البئر شربت منه الى ان ايقنت بأنها شربتني بالكامل كان هذا الاعلان العاشق بداية جنوني الفعلي بحبها». المدرسة والمدينة وقسوة العيش فيها لعدد من الصبية ينتقلون لاكمال دراستهم فيها¡ تاركين وراءهم دفء القرية ومكتشفين لهذا العالم الجديد والمفاضلة ما بين المدينة والقرية يصف ابو دهمان اربعة رجال يغادرون في اتجاه العاصمة ويقول: «عندما يعود الاربعة الى القرية¡ يعودون اغنياء مادياً¡ معوقين في قيمهم واخلاقهم».
رواية الحزام لأحمد ابو دهمان سيرة¡ وذكرى واعتراف محبة وانتماء عميق يقدمه هذا الكاتب السعودي للعالم¡ وللعرب¡ وقبل كل شيء لحزام الذي يذكره في الخاتمة قائلاً له: «وأود اخبارك بأن كتابي سيصدر قريباً وهو يحمل اسمك لكن هذا الاسم تحول الى مؤنث في اللغة الفرنسية والحزام كما علمتنا يا حزام يكشف عن كل شيء¡ شاعرية النساء وكبرياء الرجال وزهوهم¡ وأنت يا ابتي حزام لم تخف عني شيئاً منذ ان عرفتك».
تحياااااااااااااااااتي
جنوووووووووووووووووووبي